المقامة البصرية

حدثنا عيسى بن هشام قال: دخلت البصرة وأنا من سني في فتاء ومن الزي في حبر ووشاء. ومن الغنى في بقر وشاء. فأتيت المربد في الزي في رفقة تأخذهم العيون ومشينا غير بعيد إلى بعض تلك المنتزهات. في تلك المتوجهات. وملكتنا أرض فحللناها. فما كان بأسرع من ارتداد الطرف حتى عن لنا سواد. تخفضه وهاد وترفعه نجاد. وعلمنا أنه يهم بنا فأتلعنا له حتى أداه إلينا سيره ولقينا بتحية الإسلام. ورددنا عليه مقتضى السلام. ثم أجال فينا طرفه وقال: يا قوم ما منكم إلا من يلحظني شزرا. ويوسعني حزرا. وما ينبئكم عني. أصدق مني. أنا رجل من أهل الإسكندرية. من الثغور الأموية. قد وطأ لي الفضل ورحب بي عيش ونماني بيت. ثم جعجع بي الدهر عن ثمه ورمه. وأتلاني زغاليل حمر الحواصل:

كأنهم حيات أرض محلة ... فلو يعضون لذكى سمهم

إذا نزلنا أرسلوني كاسبا ... وإن رحلنا ركبوني كلهم

ونشزت علينا البيض وشمست منا الصفر. وأكلتنا السود وحطمتنا الحمر. وانتابنا أبو مالك. فما يلقانا أبو جابر إلا عن عقر. وهذه البصرة ماؤها هضوم. وفقيرها مهضوم. والمرء من ضرسه في شغل. ومن نفسه في كل. فكيف بمن

يطوف ما يطوف ثم يأوي ... إلى زغب محددة العيون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015