ولست أنهاكم عن الدنيا بأكثر مما نهيتكم به الدنيا عن نفسها. فإن كل ما بها يحذر منها وينهى عنها وكل ما فيها يدعو إلى غيرها. وأعظم ما رأته أعينكم من فجائعها وزوالها ذم الله لها والنهي عنها فإنه يقول تبارك وتعالى: فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور. وقال: إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد. فانتفعوا بمعرفتكم بها ,بإخبار الله عنها واعلموا أن قوما من عباد الله أدركتهم عصمة الله. فحذروا مصارعها وجانبوا خدائعها. وآثروا طاعة الله فيها وأدركوا الجنة بما يتركون منها

خطبة قطري بن الفجاءة التميمي في منبر الأزارقة في ذم الدنيا

أما بعد فإني أحذركم الدنيا فإنها حلوة خضرة حفت بالشهوات وراقت بالقليل. وتجلببت بالعاجل وغمرت بالآمال. وتحلت بالأماني وزينت بالغرور. لا تدوم زهرتها ولا تؤمن فجعتها. غرارة ضرارة. وحائلة زائلة. ونافدة بائدة. لا تعدو إذا تناهت إلى أمنية أهل الرغبة فيها والرضا بها أن تكون كما قيل: كماء أنزلناه فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما. مع أن امرأ لم يكن منها في حبرة ألا عقبته بعدها عبرة. ولم يلق من سرائها بطنا. إلا منحته من ضرائها ظهرا. ولم تطله منها ديمة رخاء. إلا هطلت عليه مزنة بلاء. وحري إذا أصبحت له منتصرة أن تمسي له خاذلة متنكرة. وإن جانب منها اعذوذب واحلولى أمر عليه منها جانب فأوبا. وإن ليس امروء من غضارتها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015