والرايات. أين الذين قادوا الجيوش والعساكر. أين الذين عمروا القصور والدساكر. أين الذين اقتحموا المخاطر والمخاوف. أين الذين دانت لهم المشارق والمغارب. أين الذين تمتعوا في اللذات والمآرب. أين الذين تاهوا على الخلائق كبرا وعتيا. أين الذين راحوا في الحلل بكرة وعشيا. أين الذين استلانوا الملابس أثاثا ورئيا. وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا. أين الذين ملأوا ما بين الخافقين عزا. أين الذين فرشوا القصور خزا وقزا. أين الذين تضعضعت لهم الأرض هيبة وهزا. أين الذين استذلوا العباد قهرا ولزا. هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا. أفناهم والله مفني الأمم. وأبادهم مبيد الرمم. وأخرجهم من سعة القصور. وأسكنهم في ضنك القبور. تحت الجنادل والصخور. فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم فعاث الدود في أجسامهم. واتخذ مقيلا في أبدانهم. فسالت العيون على الخدود وامتلأت تلك الأفواه بالدود. وتساقطت الأعضاء وتمزقت الجلود. فلم ينفعهم ما جمعوا ولا أغنى عنهم ما كسبوا. أسلمك الأحبة والأولياء. وهجرك الإخوان والأصفياء. ونسيك القرباء والبعداء. فأنسيت ولو نطقت لأنشدت قولنا عن سكان الثرى. ورهائن الترب والبلى:
مقيم بالحجون رهين رمس ... وأهلي رائحون بكل واد
كأني لم أكن لهم حبيبا ... ولا كانوا الأحبة في السواد