فقيهاً عالماً وكان ديناً. فلما تولى الخلافة استوته الدنيا فتغير عن ذلك (لأبي الفرج) .
هو سادس خلفائهم وكان مغرماً بالبناء واستوثقت له الأمور. ومن بناياته المسجد الأقصى وأعطى المجذمين ومنعم السؤال إلى الناس. وأعطى كل مقعد خادماً وكل ضرير قائداً. ومنع الكتاب النصارى من أن يكتبوا الدفاتر بالرومية ولكن بالعربية. وفي أيامه أجاز طارق بن زياد إلى الأندلس فنهض لذريق ملك القوط وزحف طارق فالتقوا بفحص شريش فهزم الله لذريق وأذعنت الأندلس لأمر الوليد. وفتحت في أيامه الفتوحات الكثيرة من ذلك ما وراء النهر. وتغلغل الحجاج في بلاد الترك. وتغلغل مسلمة بن عبد الملك في بلاد الروم ففتح وسبى. وفتح محمد بن القاسم الثقفي بلاد الهند. وفي سنة ثمان وثمانين أمر الوليد ببناء جامع دمشق. وكان فيه كنيسة فهدمها. فأنفق عليه أموالاً كثيرة تجل عن الوصف. وفي أيامه توفي الحجاج وقيل أنه أحصي من جملة الذين قتلهم الحجاج فكانوا مائة ألف وعشرين ألفاً. ومات الوليد سنة ست وتسعين. (للدميري) .
ثم قام بالأمر بعده أخوه سليمان وهو سابعهم. وأحسن السيرة ورد المظالم وآوى المقترين وأخرج المحبوسين. وكان غيوراً شديد الغيرة نهماً واتخذ ابن عمه عمر بن عبد العزيز وزيراً وجهز أخاه مسلمة لغزو القسطنطينية. ونزل سليمان في مرج دابق فشتى مسلمة على قسطنطينية وزرع الناس بها الزرع وأكلوه. وأقام مسلمة قاهراً قسطنطينية حتى جاءه الخبر بموت سليمان متخماً. وكانت خلافة سليمان سنتين وثمانية أشهر واستخلف وزيره عمر بن عبد العزيز.
كان عمر عفيفاً زاهداً ناسكاً عابداً تقياً. وهو أول من فرض لأبناء السبيل. وأبطل في الخطب سب علي. وكان إليه المنتهى في العلم والفضل والشرف والورع والتآلف ونشر العدل. وتوفي عمر بدير سمعان وكان موته بالسم عند أكثر أهل التاريخ. فإن بني أمية علموا أنه إن امتدت أيامه أخرج الأمر من أيديهم وأنه لا يعهده بعده إلا لمن يصلح للأمر فعالجوه وما أمهلوه. وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر. وكان في وجهه شجة من رمح دابة. وكان يدعى بالأشج. وكان متحرياً سيرة الخلفاء الراشدين. وكانت نفقته كل يوم درهمين. وفي أيامه تحركت دولة بني هشام وكان كثيراً ما يتمثل بهذه الأبيات:
نهارك يا مغرور سهر وغفلة ... وليلك نور والردى لك لازم
يغرك ما يفنى وتفرح بالمنى ... كما غر باللذات في النوم حالم
وشغلك فيما سوف تكره غبه ... كذلك في الدنيا تعيش البهائم