دول وسائس أمم واعي ممالك ابتكر في الدولة أشياء لم يسبقه أحد إليها. منها أنه وضع البريد لوصول الأخبار بسرعة. واخترع ديوان الخاتم فصارت التواقيع تصدر منه مختومة لا يتمكن أحد من تغييرها. وفي سنة خمسين سير جيشاً كثيفاً إلى القسطنطينية فأوغلوا في بلاد الروم وحاصروا القسطنطينية ولم يدخلوها. وفي أيامه بنيت القيروان وكمل بناؤها في خمس سنين. ولما حضرته الوفاة جمع أهله فقال: ألستم أهلي. قالوا: بلى فداك الله بنا. قال: فهذه نفسي قد خرجت من قدمي فردوها علي إن استطعتم. فبكوا وقالوا: ما لنا إلى هذا سبيل. فرفع صوته بالبكاء. ثم قال: فلا تغركم الدنيا بعدي. وتوفي بدمشق في مستهل رجب سنة ستين. (للفخري) .

خلافة يزيد بن معاوية (680-683)

بويع له بالخلافة يوم مات أبوه. وكان يزيد بحمص فقدم منها وبايعه الناس. ولم يبايعه الحسين بن علي بن أبي طالب ولا عبد الله بن زبير. فسير جيشاً إلى محاربة الحسين فأدركوه فحملوا عليه وأصحابه واحترزوا رأس الحسين. أما عبد الله بن زبير فلحق بمكة وتحصن في المسجد الحرام. فسار إليه الحصين بن نمير ونصب المنجنيق على أبي قبيس ورمى به الكعبة فحرقت أستارها. وبينما هم كذلك إذ ورد إلى الحصين الخبر بموت يزيد بن معاوية. فأرسل إلى ابن زبير يسأله الموادعة فأجابه إلى ذلك. وتوفي يزيد في شهر ربيع الأول سنة أربع وستين. وكان آدم جعداً حور العينين. بوجهه آثار جدري حسن اللحية خفيفها طويلاً. وكان موفر الرعية في اللهو والقنص. تعلم الفصاحة ونظم الشعر في بادية بني كلب (لأبي الفداء) .

معاوية الثاني (683) ومروان بن الحكم (684)

ثم قام بعده بالأمر معاوية ابنه ولم تكن ولايته غير ثلاثة أشهر. ثم تخلى بالعبادة ومات بالطاعون. وأما عبد الله بن زبير فلما مات يزيد دعا الناس إلى البيعة وادعى الخلافة. فظفر بالحجاز والعراق وخراسان واليمن ومصر والشام والأردن. ثم بويع بالأردن لمروان بن الحكم وكان كاتب السر لعثمان. ثم دخل الشام فأذعن أهلها له بالطاعة وشار إليه من قبل عبد الله بن زبير الضحاك بن قيس. فاقتتلوا بغوطة دمشق فقتل الضحاك. ومات مروان بدمشق مخنوقاً. وكانت مدة خلافته تسعة أشهر.

عبد الملك بن مروان (685-705)

بويع سنة خمس وستين بالشام. وأما ابن الزبير فبعث أخاه مصعباً على العراق فقدم البصرة وأعطاه أهلها الطاعة. واستولى المصعب على العراقين فسار إليه عبد الملك بن مروان. فالتقوا بسكن وقتل مصعب واستقام العراق لعبد الملك. وكان الحجام بن يوسف الثقفي على شرطه فرأى عبد الملك من نفاذه وجلادته ما أعجب به. فبعثه إلى عبد الله بن زبير فقتله وسلخ جلده وحشاه تبناً وصلبه. وتوفي عبد الملك سنة ست وثمانين وكان حازماً عاقلاً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015