وقوله جل وعلا في هذه الآية: {وَمَا ظَلَمُونَا} فيه الدليل الواضح على أن نفي الفعل لا يستلزم إمكانه؛ لأنَّ الله نفى عنه أنَّهم ظلموه ونفيه جلَّ وعَلا عن نفسه أنَّهم ظلموه لا يدل على أنَّه يمكن أنْ يظلموه، بل نفي الفعل لا يدل على إمكانه.
وقوله جلَّ وعَلا: {وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} لكن واقعةٌ في موقعها، والمعنى أن هذا الظلم واقع على أنفسهم حيثما عرَّضوها به لسخط الله جل وعلا وعقابه، فضرر فعلهم عائد إليهم، والله جل وعلا لا تضره معاصي خلقه ولا تنفعه طاعاتهم {فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [التغابن: 6].
وقد بيَّنَ القرآن في آيات كثيرة أن الله جلَّ وعلا لا يتضرر بمعاصي خلقه ولا ينتفع بطاعاتهم كقوله: {إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} [إبراهيم: 8]، وقوله: {فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [التغابن: 6]، وقوله: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر: 15]، وفي صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربِّه: "يَا عبادي لو أنَّ أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلبِ رجلٍ واحد منكم، ما زاد ذلك في مُلكي شيئًا، يَا عبادي لو أنَّ أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلبِ رجلٍ