لا يُعقَلُ أنْ يقال فيه: إنَّهُ جمع قلة؛ لأن جمع القلة لا يتعدى العشرة، وهو بعمومه يشمل آلاف الأفراد.
فالتَّحقيق الذي حرَّره علماء الأصول في مبحث التخصيص أنَّ جموع القلة وجموع الكثرة لا يكون الفرق بينها البتة إلَّا في التنكير، أما في التعريف فإن الألف واللام تفيد العموم، والإضافة إلى المعارف تفيد العموم، وما صار عامًّا استحال أنْ يقال هو جمع قلة؛ لأن العموم يستغرق جميع الأفراد، هذا هو التحقيق، وهذا معنى قوله: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ} وفي مرجع الإشارة في قوله: {ذَلِكُمْ} وجهان للعلماء لا يكذب أحدُهما الآخر.
أحدهما: أنَّه راجع إلى مصدر القتل المفهوم من قوله: {فَاقْتُلُوا}؛ أي: ذلك القتل لأنفسكم خير لكم عند بارئكم، وقد قرَّر علماء العربية أن الفعل الصناعي أعني فعل الأمر أو الفعل المضارع أو الماضي ينحلُّ عن مصدرٍ وزمنٍ، فالمصدر كامنٌ في مفهومه إجماعًا، قال في الخلاصة:
المصدرُ اسمُ ما سوى الزمانِ منْ ... مدلوليِ الفعلِ كأمْنٍ مِنْ أمنْ
ونحن نرى القرآن يلاحظ المصدر تارةً، ويلاحظ الزمان تارةً،