وقد تقرَّر في فنّ العربية أنَّ الشيءَ الواحد إذا وُصِفَ بصفاتٍ مختلفة يجوز عطفه على نفسه نظرًا لاختلافِ صفاته، وتنزيلا لتغاير الصفات منزلةَ تغاير الذوات، ومن أمثلته في القرآن قوله جل وعلا: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى} [لأعلى: 1 - 4] فالمتعاطفات بالواو مدلولها واحدٌ إلَّا أنها عطفت بحسب تغاير الصفات، ونظيرها من كلام العرب قول الشَّاعر:
إلى الملكِ القَرْمِ وابنِ الهُمامِ ... ولَيثِ الكتيبةِ في المُزْدَحَمْ
فعطف هذه الصفات بعضها على بعض مع أنَّ الموصوف بها واحدٌ نظرًا إلى تغاير الصفات، والدليل على أن الفرقان كتاب موسى، وأنَّ من زعم: أن المعنى آتينا موسى الكتاب، ومحمدًا الفرقان أنَّه قولٌ باطلٌ؛ بدليل قوله جل وعلا في الأنبياء: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ} [الأنبياء: 48].
وقوله: {وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}؛ أي: لأجل أنْ تهتدوا كما بينا، أو على أنَّ إنزال هذا الكتاب يرجى منه أنْ تهتدوا، ومنه مظنة لذلك، ومحل الرَّجاء في هداكم بهذا الكتاب، وتهتدون معناه: تسلكون طريق الهدى من طاعة الله جل وعلا بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ