فهم وظيفة العبودية والقيام بها

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

أما بعد: فإن الله لم يخلق خلقه عبثاً، ولم يتركهم سدى، بل خلقهم لأمر عظيم وخطب جسيم، عرض هذا الأمر على السماوات والأرض والجبال فأبين وأشفقن منه وجلاً، وقلن: ربنا إن أمرتنا فسمعاً وطاعة، وإن خيرتنا فعافيتك نريد لا نبغي بها بدلاً، وحمله الإنسان على ضعفه وعجزه عن حمله، وباء به بظلمه وجهله، فألقى أكثر الناس الحمل عن ظهورهم لشدة مئونته عليهم وثقله، وصحبوا الدنيا صحبة الأنعام السائمة، لا يتفكرون في معرفة موجدهم وحقه عليهم، ولا يتفكرون في سرعة رحيلهم من هذه الدنيا الفانية، وانتقالهم إلى الآخرة الباقية، فقد ملكهم باعث الحس، وغاب عنهم داعي العقل، وشملتهم الغفلة، وغرتهم الأماني الباطلة، والخدع الكاذبة، فخدعهم طول الأمل، وران على قلوبهم سوء العمل، فهم في شهوات الدنيا ولذات النفوس كيف حصلت حصلوها، ومن أي وجه لاحت أخذوها، إذا بدا لهم حظ من الدنيا بآخرتهم طاروا إليه زرافات ووحداناً، ولم يؤثروا عليه فضلاً من الله ولا رضواناً، نسوا الله فنسيهم أولئك هم الفاسقون، يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون.

خلقنا الله عز وجل لوظيفة، فمن اهتدى لمعرفة هذه الوظيفة وقام بها حق القيام أفلح وأنجح، وسعد في الدنيا والآخرة، ومن تغابى عن معرفة هذه الوظيفة أو عرف الوظيفة ولم يقم بها حق القيام خاب وخسر في الدنيا والآخرة، فما هي هذه الوظيفة التي خلقنا الله عز وجل من أجلها، حتى لا نكون يوم القيام من المغبونين، أو من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً؟ فالله عز وجل بين لنا هذه الوظيفة في كتابه، فقال عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، فالله تعالى خلق العباد من أجل عبادته عز وجل وحده، وأرسل الرسل من أجل أن يعبِّدوا الناس له عز وجل، ومن أجل أن ينبهوا الناس إلى القيام بالوظيفة التي خلقهم الله عز وجل من أجلها، فقال عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25].

وقال عز وجل: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف:45]، فالله تعالى أرسل الرسل من أجل أن يعبِّدوا الناس له عز وجل، ومن أجل أن يعرف الناس الوظيفة التي خلقهم الله عز وجل من أجلها.

وقد فهم ربعي بن عامر رضي الله عنه أحد تلامذة النبي صلى الله عليه وسلم هذه الوظيفة، فلما دخل على رستم قال: إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015