مجالس ثعلب (صفحة 59)

وإنما تدخل الباء على الفاعل، وهذا أيضاً شاذ أن تدخل الباء على الفاعل. ولكن قد حكى هذا على المفعول. قال أبو العباس: وكل هذا غلط، العرب تقول كفى بزيد رجلاً، ونعم بزيد رجلاً، ونعم زيد رجلاً. وحكى الكسائي عن العرب: مررت بأبيات جاد بهن أبياتاً، وجاد أبياتاً، وجدن أبياتاً، ثلاث لغات. وكذا مررت بأبيات جاد بهن أبياتاً، وجاد أبياتاً، وجدن أبياتاً، ثلاث لغات. وكذا مررت بقوم نعم قوماً، ونعم بهم قوماً، ونعموا قوماً. وهذا كثير في كلام العرب، لا يقال شاذ.. والمعنى أنهم يقولون أحسن بزيد فيدخلون الباء في الممدوح، كما يقولون: ما أحسن زيداً ليعلموا أن الفعل لا يتصرف عليه. ويوحدون الفعل لأن المفسر يدل عليه، ويثنون ويجمعون على الأصل. فهذه ثلاث لغات مسموعات من العرب.

وأنشد:

قد أغتدى بالأعوجى التارص ... مثل مدق البصل الدلامص

التارص: الشديد، يقال باب مترص أي شديد. والدلامص: البراق.

بمحزم نهد وطرف شاخص ... وعصب عن نسويه قالص

يريد أنه أشهب. وكل مرتفع نهد.

يقول: هو سمين فقد بان موضع النسا، وهو عرق في الفخذين.

كان ربيب حلب وقارص ... حتى دفعنا لشبوب وابص

يعني براق. شبوب: ثور.

مرتبع في أربع نحائص ... يلمعن إذ ولين بالعصاعص

لمع البروق في ذرى النشائص النشائص من النشوص، وهو الارتفاع.

وقال أبو العباس: قال الفراء: الأعداد لا يكنى عنها ثانية، فلا أقول عندى الخمسة الدراهم والستتها؛ وأقول عندي الحسن الوجه الجميلة، فأكنى عنه، فكل ما كنيت عنه كان مفعولاً. وكل ما لم أكن عنه لم يكن مفعولاً. وقال أصحاب الكسائي: بلى، نكنى عن هذا كما كنينا عن ذاك.

وأنشد:

إذا عاش الفتى مائتين عاماً ... فقد ذهب اللذاذة والفتاء

وقال أبو العباس: قال بعضهم لسيبويه: كيف تنشد:

يا صاح يا ذا الضامر العنس ... والرحل ذى الأقتاب والحلس

قال: فرفع. قال: فقلت له: فأيش تصنع بقوله: والرحل؟ قال: من ذا أفر. وصعد في الدرجة.

قال: الشعر معناه يا صاحب العنس الضامر والرحل. فقال:

يا صاح يا ذا الضامر العنس

وقال أبو العباس: المرغوس: ذو المال والولد، يقال رغسه الله مالاً، أي أعطاه مالاً وولداً كثيراً.

والعربسيس: الداهية. وقال: الدين: الطاعة، والدين: الدأب.

وأنشد:

تقول وقد درأت لها وضيني ... أهذا دينه أبداً ودينى

أي دأبه ودأبي. قال: و " مالك يوم الدين " أي يوم الجزاء.

ويقال: من أراد البقاء ولا بقاء فليخفف الرداء، وليؤخر العشاء، وليباكر الغداء، وليجد الخراء، وليقل غشيان النساء. فليخفف الرداء، يقال هو الدين. وليجد الخراء، قال: كانوا يتفاخرون بهذا. قال: وكأنه أراد: لو زاد شئ في العمر لزاد هذا، ويراد به العافية. وقال أبو العباس في قوله عز وجل: " فأوف لنا الكيل " قال: كانت بضاعتهم مزجاة فقالوا له: خذ منا وأوف لنا الكيل.

وقال: يعسوب قريش: سيدهم، مثل اليعسوب ذكر النحل.

وقال: يقال: الطابع والطابع، والطابق والطابق.

آخر الجزء السادس من مجالس أبي العباس ثعلب رحمه الله تعالى والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وآله وسلم آمين

الجزء السابع

ثنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي ثعلب قال: قال ابن الأعرابي: حدثني شيخ عن محمد بن سعيد الأموي، عن عبد الملك بن عمير قال: كنت عند الحجاج بن يوسف، فقال لرجل من أهل الشام: هل أصابك مطر؟ قال: نعم، أصابني مطر أسال الإكام، وأدحض التلاع، وخرق الرجع، فجئتك في مثل مجر الضبع. ثم سأل رجلاً من أهل الحجاز: هل أصابك مطر؟ فقال: نعم سقتني الأسمية، فغيبت الشفار، وأطفئت النار، وتشكت الناسء، وتظالمت المعزى، واحتلبت الدرة بالجرة. ثم سأل رجلاً من أهل فارس فقال: نعم، ولا أحسن كما قال هؤلاء، إلا أني لم أزل في ماء وطين حتى وصلت إليك.

وسئل أعرابي عن المطر فقال: مطرنا بعراقي الدلاء، وهي ملاء.

قال أبو العباس ثعلب: وقال أبو الحسن المدائني: سئل أعرابي عن المطر فقال: أصابنا مطر نقع في الأرض فشربت منه الغنم، فحسنت أصواتها، ولانت أصوافها.

وسئل أعرابي عن المطر فقال: لقينى من أمطرها بموضع كذا وكذا، ثم دفعها وراءه، فانقطع خبرى ولم ينقطع المطر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015