ألم ترى أن دهراً قد تغير بي ... فلم ترى فرحاً منى ولا جزعا
فإن هلكت وريب الدهر متلفة ... فلم أكن عاجزاً نكساً ولا ورعا
وإن بقيت فجلد ذو مواطحة ... أسقى العدو نقيع السم والسلعا
ما سد مطلع ضاقت ثنيته ... إلا وجدت. وراء الضيق مطلعا
ولا رميت على خصم بقارعة ... إلا منيت بخصم فر لي جذعا
كم من عدو أخى ضغن يجاملني ... يخفى عداوته ألا يرى طمعا
حملت منه على عوراء طائشة ... لم أسه عنها ولم أكثر لها فزعا
فكم تورعت عن مولى تعرض لي ... رفهت عنه ولو أتعبته ظلعا
إذ لا أزال على أرجاء مهلكة ... يستخبر الملأ الأعلى ما صنعا
قال أبو العباس: يا لها من حاجة وحذف الحاجة الأخرى. وأنشد:
يا ويح تاجة ما هذا الذي زعمت ... أمسها سبع أم مسها لمم
قال أبو العباس: قال لي محمد بن سلام - أو قال محمد بن سلام -: هذا مثل المفببة، وهي التي إذا أخذها السبع هربت منه. فإذا شمتها الغنم هربت منها. يقول: فأنتم تهربون ممن هجوته فكيف منى.
وأنشد مثله لجرير:
يشمون الفريس المنيبا
وتاجة: امرأة. أي تنفر كما تنفر الغنم من هذه.
خبرت زوارها قالوا، وما علموا: ... عيب وشيب وشيخ ما له نعم
أما نضيلتك الأخرى فقد عرفت ... أنى فتى الحى لا نكس ولا برم
لا أحفظ البيت من جارات ربته ... ولن يحالف عرسى قبلك العدم
إن لن هجمة حمراً محلقة ... فيها معاد وفي أذنابها كرم
يزرعها الله من جنب ونحصدها ... فلا تقوم لما نأتي به الصرم
إن أخلف الضيف رسل عند حاجتنا ... لم يخلف الضيف من أصلابها دسم
لا يتمن السيف عند الحق أسرتها ... ولا يبيت على أعناقها قسم
يقول: لا يحلف ألا يذبح منها لأحد.
تسلف الجار شرباً وهي حائمة ... والماء لزن بكى العين مقتسم
ولا تسفه عند الورد عطشتها ... أحلامنا، وشربت السوء يضطرم
في كل نث أفاد الحمد نقحمها ... ما يشترى الحمد إلا دونه قحم
وأنشد:
فإن بنى البدر بدر السماء ... وإن كان مالك قد أفرعا
يسوقون من مالهم هجمة ... إلى الحق يوشك أن يرجعا
قال أبو العباس: وكان يقال: ثمرة القناعة الراحة، وثمرة التواضع المحبة.
وقال أبو العباس: قال شبيب بن شيبة لرجل لم يعجبه أدبه: إن الأدب الصالح خير من النسب المضاعف.
أبو العباس قال: وحدثني الحزامى، قال حدثني أبو ضمرة قال: حدثني من سمع يحيى بن أبي كثير اليمامي يقول: لا يدرك العلم براحة الجسم.
وأنشد أبو العباس قال: أنشدني زبير لسهل بن أبي كثير:
أنت لو هرشت داو ... د على خبز ولحم
أو على روس نعاج ... صليت في السوق سحم
لحرى أن يقطع لزر ... ين أو يشجى بعظم
وله دهن من الخ ... طار مغشوش بشحم
وله عشرون ضرساً ... ليس فيها ضرس حلم
وهو لو دارك لقماً ... قلت هذا حس هدم
وقال أبو العباس: قال الحسن: من لم يكن له عقل من سوسه لم ينتفع برواية الحديث.
قال: وحكى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم ومشارة الناس، فإنها تدفن الغرة، وتظهر العرة ".
قال: يقال: ثلاثة لا ينتصفون من ثلاثة: حليم من أحمق، وبر من فاجر، وشريف من دنئ.
قال: وقال رجل: سألت ناساً من أهل البادية: إلى من أنكح؟ قالوا اتق الدقة المتوارثة، وأنكح إلى من شئت. قلت: وما الدقة المتوارثة؟ قالوا: أخلاق سيئة يرثها آخر من أول.
وقال أبو العباس: قال حسان: ما شئ أهون من الورع، إذا رابك شئ فدعه.
وأنشدنا أبو العباس:
تعفى الشيب جهدك بالخضاب ... لترجع فيك أبهة الشباب
فكيف وقد كساك الشيب ثوباً ... كأخلق ما يكون من الثياب
به ظهرت معايب فيك شتى ... حوادث لم تكن لك في حساب