بَابُ ذِكْرِ الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ

اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ، فَكَرِهَهَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَلَمْ يَكْرَهْهَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلَ فِي خَلْقٍ كَثِيرٍ مِنَ العلماء، بل استحبوها.

فمن كررها، فَلأَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: خَوْفُ الْمَلَلِ.

وَالثَّانِي: قِلَّةُ الاحترام لمداومة الأنس بالمكان.

والثالث: تهيج الشوق بالمفارقة، فتنشأ دَاعِيَةُ الْعَوْدِ، فَإِنَّ تَعَلُّقَ الْقَلْبِ بِالْكَعْبَةِ وَالإِنْسَانُ في بيته خير له مِنْ تَعَلُّقِ الْقَلْبِ بِالْبَيْتِ وَالإِنْسَانُ عِنْدَ الْكَعْبَةِ.

وَالرَّابِعُ: خَوْفُ ارْتِكَابِ الذُّنُوبِ هُنَاكَ، فَإِنَّ الْخَطَأَ ثَمَّ لَيْسَ كَالْخَطَأِ فِي غَيْرِهِ، لأَنَّ الْمَعْصِيَةَ تَتَضَاعَفُ عُقُوبَتُهَا، إِمَّا لِكَثْرَةِ عِلْمِ فَاعِلِهَا فَلَيْسَ عِقَابُ مَنْ يَعْلَمُ كَمَنْ لا يَعْلَمُ، أَوْ لِشَرَفِ الزَّمَانِ كَالْمَعْصِيَةِ فِي رَمَضَانَ وَالطَّاعَةِ فِيهِ، وقد قال عَلَيْهِ السَّلامُ:

((عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ، كِحَجَّةٍ مَعِي)) .

وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: تَسْبِيحَةٌ فِي رَمَضَانَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفٍ فِي غَيْرِهِ، أَوْ لِشَرَفِ الْمَكَانِ كَالْحَرَمِ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى ضُوعِفَ أَجْرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخَيْرِ، وَتُوُعِدْنَ بِمُضَاعَفَةِ العذاب عَلَى الشَّرِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015