المحافظة حتى في مستهل القرن الخامس الهجري من الإصرار على قراءة القرآن في المصاحف المجردة من الشكل، فلم يكن إحداث تلك العلامات في نظر هؤلاء المتشددين إلا بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ومن الغريب أن بعضهم كانوا -كما يلاحظ الداني- يتساهلون في استعمال بعض النقط عوضا عن الحركات، ولكنهم يأبون إباء شديدًا أن يشكلوا القرآن بالحركات نفسها وإن كان أكثر الناس في عصرهم لا يجدون في ذلك بأسًا1.
والداني نفسه كان يعترف بوجود التمييز بين النص القرآني المجرد والحركات التي تزاد عليه للتوضيح، "فلا يستجيز النقط بالسواد لما فيه من التغيير لصورة الرسم، ولا يستجيز جمع قراءات شتى في مصحف واحد بألوان مختلفة لأنه من أعظم التخليط والتغيير للرسوم, ويرى أن تكون الحركات والتنوين والتشديد والسكون والمد بالحمرة والهمزات بالصفرة"2.
ثم يأتي على الناس زمان يستحبون فيه نقط المصحف بعد أن كرهوه، وشكله بالحركات بعد أن عارضوه, وكما خافوا أن يصيبه التغيير بالنقط والشكل أصبحوا يخافون أن يلحن الجهال فيه إن لم ينقط ويشكل, فالحرص على نص القرآن كان السبب الأساسي في كراهة النقط تارة واستحبابه أخرى.
قال النووي3: "نقط المصحف وشكله مستحب، لأنه صيانة له من اللحن والتحريف"4.