لا أصل له"1، ولا داعي للإطالة بذكر هذا الحديث الباطل، بل نشير إلى أن موضع الشاهد فيه جواب عثمان لابن عباس، معللا قرن براءة بالأنفال من غير البسملة: "وكانت الأنفال من أوائل ما أنزل بالمدينة، وبراءة من آخر القرآن، فكانت قصتها شبيها بقصتها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها، وظننت أنها منها، فمن ثم قرنت بينهما ... إلخ"2.
الرأي الراجح المختار إذن أن تأليف السور على هذا الترتيب الذي نجده اليوم في المصاحف هو -كتأليف الآيات على هذا الترتيب- توقيفي لا مجال فيه للاجتهاد. على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رغم هذا التوقيف، لم يجد من الدواعي ما يحمله على جمع آيات كل سورة في صحائف عدة، ولا جمع القرآن كله بين دفتي مصحف واحد: لأن القراء ومستظهري القرآن كانوا كثيرين، وكان عليه الصلاة والسلام يترقب توالي نزول الوحي عليه، وإمكان ناسخ لبعض أحكامه3، فالقرآن كله كتب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مجموع في مصحف واحد، فقد أغنى عن ذلك حفظ الصحابة له في صدورهم كما وقفهم عليها الرسول ونبههم إلى مواضعها بتوقيف من الله. قال الزركشي: "وإنما لم يكتب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، مصحف لئلا يفضي إلى تغييره في كل وقت، فلهذا تأخرت كتابته إلى أن كمل نزول القرآن بموته صلى الله عليه وسلم"4.
وأكثر العلماء على أن جمع القرآن على عهد رسول الله لوحظ في كتابته أن تشمل الأحرف السبعة التي أنزل عليها، وسوف نناقش في فصل "الأحرف السبعة".
وكان كل ما يكتب يوضع في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينسخ الكتاب لأنفسهم نسخة منه، فتعاونت نسخ هؤلاء الكتاب والصحف التي في بيت النبي مع حافظة الصحابة الأميين وغير الأميين، على حفظ القرآن وصيانته، مصداقا لقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 5.