جازمة، بمثل قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} 1، وإنما أرادت الصديقة بيان أوائل ما نزل من القرآن، وأن تلك الأوائل ما كانت بمقتضى حكمة الله لتتناول الحلال والحرام، بل تناولت أصول الإيمان بالله واليوم الآخر. فعدم تحريم الزنى في أول ما نزل من الوحي لا يعني أن هذا التحريم تأخر كثيرا: إذ وقع تحريمه في مكة على كل حال، وهو لا يعني تدرج هذا التحريم على مراحل، إذ لم نعلم في كتاب الله ولا سنة رسوله إثبات منفعة للزنى إلى جانب إثمه الكبير كما علمناه في تحريم الخمر والميسر، ولم نر لونا من ألوان الزنى والسفاح يقر في الإسلام بأية صورة، وإنما الذي عرفناه أن الإسلام أمضى أمره بتحريم الزنى بأسلوب صارم ولهجة قاطعة، كما حرم سائر الفواحش ما ظهر منها وما بطن، والإثم والبغي بغير الحق.

وما من ريب في أن الإسلام فرق بين الأعماق والسطحيات في أنفس الأفراد والمجتمعات، فكل قضية عميقة الجذور في نفس الفرد اتخذت شكل عادة شعورية وكل قضية عميقة الجذور في نفس المجتمع اتخذت شكل تقليد اجتماعي أو عرف دولي، فللإسلام فيها موقف المتمهل المتريث الذي يؤمن بأن البطء مع التنظيم خير من العجلة مع الفوضى!

وكل قضية سطحية تنزلق إلى نفس الفرد أو إلى نفس الجماعة فتفسد علها فطرتها الزكية النقية، فهي جريمة في الحياة الإنسانية لا يجوز السكوت عنها، فليقطع الإسلام فيها برأيه، ولتكن حدوده فيها غير قابلة للنقاش، فما يناقش في أمر هذه الحدود إلا الخارج على مقتضى الفطرة، المنسلخ من الكرامة الإنسانية2.

وفي ضوء هذه التفرقة بين الأعماق والسطحيات في الأنفس والآفاق, وفي الأفراد والمجتمعات، نظر الإسلام إلى القتل والسرقة والغصب وأكل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015