فقال: "قيل: أنزلت التوراة جملة، لأنها نزلت على نبي يقرأ ويكتب -وهو موسى- وأنزل القرآن مفرقا لأنه أنزل غير مكتوب على نبي أمي"1.

وأما تجاوب الوحي مع المؤمنين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي القرآن منه صور متنوعة، وألوان متباينة تلتقي كلها عند غاية واحدة: وهي رعاية حال المخاطبين، وتلبية حاجاتهم في مجتمعهم الجديد الآخذ في الازدهار، وعدم مفاجأتهم بتشريعات وعادات وأخلاق لا عهد لهم بمثلها. وقد أشار إلى هذا مكي2 في "الناسخ والمنسوخ" حين لاحظ أن نزول القرآن "أدعى إلى قبول إذا نزل على التدريج، بخلاف ما لو نزل جملة واحدة، فإنه كان ينفر من قبوله كثير من الناس لكثرة ما فيه من الفرائض والمناهي، ويوضح ذلك ما أخرجه البخاري3 عن عائشة قالت: إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء، "لا تشربو الخمر" لقالوا: لا ندع الخمر أبدًا، ولو انزل "لا تزنوا" لقالوا: "لا ندع الزنى أبدًا"4.

وظاهر كلام السيدة عائشة في قولها هذا أنها جمعت بين تحريم الخمر وتحريم الزنا بالتدريج، فيخيل إلى السامع أن تحريم الزنى لم يتم إلا على مراحل كالخمر، وليس ذلك بصحيح ولا هو مراد بنت الصديق، فإنها رضي الله عنها كانت تعلم أن الزنى حرم دفعة واحدة، في خطوة واحدة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015