مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} . فلما عجزوا حتى عن السور العشر المفتريات تنازل إلى تحديهم بسورة واحدة من مثله، فقال في سورة البقرة: {إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} . حتى إذا عجزوا عن معارضة سورة واحدة من سوره -وهم أمة الفصاحة والبلاغة- جلجل صوته في الآفاق، وتحدى أمم العالم قائلا في ثقة ويقين: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} .

بالأسلوب المعجز الساحر مس القرآن إذن قلوب العرب منذ الفترة المكية قبل أن تنزل آياته التشريعية، ونبوءاته الغيبية، ونظرته الكلية الكبرى إلى الكون والحياة والإنسان، ولو أتيح لمعاصري الوحي القرآني أن يطلعوا منه على الجانب العلمي والجانب الفلسفي اللذين أتيح لبعضنا أن يطلعوا عليهما، وكان لهم من الثقافة ما يمكنهم من الحكم على حقائق التاريخ، لأدركوا مثل جميع المنصفين عجز الزمان عن إبطال شيء منه، ولأيقنوا أن علوم الكون ستظل جميعا في خدمته للكشف عن آيات الله في الآفاق والأنفس، كما قال الله: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} !.

وبعد، فقد آثرنا أن نعالج ظاهرة الوحي المعجز بمثل ما عالجها به القرآن من التأثير المقنع، فلجأنا إلى الزاوية النفسية، ودرسنا من خلالها الفرق العظيم بين ذات الخالق وشخصية المخلوق، وبين صنعة الخالق وصنعة المخلوق، وتجنبنا التعقيد والجدل العقيم، وحاولنا ألا نقرب حقائق الغيب العليا بما يعرفه الناس عن التنويم "المغناطيسي" وتسجيل الأصوات على الأشرطة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015