العام، أو التعبير المجمل، الذي برع الأقدمون في تفريعه وتبويبه وتوفير الشواهد عليه، وفهموه من ورح التركيب في كل نص على حدة، تستوي في ذلك مباحثهم عن المجاز العام الذي ليست علاقته المشابهة، وعن الكناية وأنواع الرمز بها، وعن الإيجاز والمساواة والإطناب، وعن الخبر والإنشاء، وما شابه ذلك. ولقد يتيسر لأحدنا لدى عرض تلك المباحث وشواهدها ذوق خاص يود لو يضيفه إلى المفهومات القديمة، ولكن ذلك لن يغير من طبيعة الموضوع شيئا، لأن علماءنا السالفين كانوا في ذلك كله أقرب منا إلى النبع وأقدر منا على تتبع خصائص الأسلوب العربي، ولا سيما الأسلوب القرآني. فما يضيفه أحدنا إلى ملاحظاتهم وتوجيهاته ليس إلا قبسا من نارهم وشعاعا من نورهم.
فلنسمع إليهم يحدثونا عن مجاز القرآن, ولنستجد ما استجادوه من ألوان التعبير المجازي، فنحن معهم أمام ما سموه بالمجاز العقلي الذي علاقته المشابهة، وهو واقع في التركيب، وأمام ما سموه بالمجاز اللغوي الذي يستعمل فيه اللفظ في غير ما وضع له، وهو واقع في المفرد. ولن نخوض الآن معهم في أقسام كل من المجازين، فلتفصيل ذلك نرجع إلى كتب البلاغة، وإنما نتباعهم في بعض شواهدهم، فمن المجاز العقلي ما يكون أحد طرفيه حقيقيا دون الآخر كقوله تعالى: {فَأُمُّهُ هَاوِيَة} 1 قالوا في توضيح ذلك: "فاسم الأم "الهاوية" مجاز، أي: كما أن الأم كافلة لولدها وملجأ له، كذلك النار للكافرين كافلة ومأوى ومرجع"2،
وهذا فهم سديد، خصوصا إذا وقفنا عند هذا التركيب وحده ولم نربطه بالنسق القرآني الذي صاحبه، فإن ربطناه به وقرأنا الآيات كلها {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ، فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ، نَارٌ حَامِيَةٌ} 3 تجلى لنا من مجموع المشهد معنى آخر لطيف، فالأعمال المعنوية جسمت ووزنت بموازين حسية، فإذا هي خفاف ترتفع بها كفة الموازين،