يستشعروا جمال هذا الكتاب الكريم، وإنما نريد أن نقول: إن استشعارهم ذلك الجمال كان بطبيعة الحال متأثرا بمنهجهم الذي يجعل للقاعدة البلاغية المكان الأول, ولكن للتقعيد مساوئ كثيرة أهمها أن جفاف العاطفة يفقد المشهد المرسوم قيمته التصويرية الفنية. ولذلك نجد لزاما علينا أن نشيد ببعض التحليلات الموفقة التي تبرز جمال الصورة القرآنية عند علمائنا السالفين, فالسيوطي لدى تفسير قوله تعالى {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} 1 ينقل خلاصة آراء البلاغيين في الاستعاضة عن "بلغ" بـ"اصدع"، ويكاد تعقيبه يشعرك بأنه أدرك أن الاستعارة هنا ضرب من التجسيم مع التخييل لشيء معنوي مجرد، فهو يقول: "استعير الصدع -وهو كسر الزجاجة, وهو محسوس- للتبليغ وهو معقول, والجامع التأثير، وهو أبلغ من "بلغ" وإن كان بمعناه لأن تأثير الصدع أبلغ من تأثير التبليغ، فقد لا يؤثر التبليغ، والصدع يؤثر جزمًا"2، وكأن السيوطي يقول بتعبير آخر: إن ما أمر به عليه الصلاة والسلام جسم فأصبح مادة سريعة العطب قابلة للشق والكسر، فليصدعها بقوة وليخيل إلى قارئ هذه العبارة أنه يسمع حركة هذه المادة المصدوعة، فذلك أدل على نفاذ تبليغه إلى القلوب من أية صغية أخرى. ولك أن تستحسن أيضا تذوقه جمال هذه الاستعارة في قوله تعالى: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ} 3 فإنه يقول: "شبه ميلانه للسقوط بانحراف الحي، فأثبت له الإرادة التي هي من خواص العقلاء"4. ومن ذلك قوله في {وَاعْتَصِمُوا