الكواذب في وقت كلمح البصر بل هو أقرب، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} وانظر فما من زخرف، وانظر فما من زينة، ثم انظر فالناس المغرورون أعجز من أن يتصوروا ولو بالخيال ربوعهم ومغانيهم في تلك الأرض التي أصبح نباتها حصيدًا هشيما تذروه الرياح {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} .

ويذكر السيوطي بعد ذلك في الباب نفسه ما يتعلق بالاستعارة، ويقسمها باعتبار أركانها إلى خمسة أقسام، ويستشهد بوفرة من الأمثلة على كل قسم منها، فإذا مر بقوله تعالى: {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} 1 جعل ذلك من باب استعارة محسوس لمحسوس بوجه محسوس، وأوضح ذلك بقوله: "استعير خروج النفس شيئا فشيئا لخروج النور من المشرق عند انشقاق الفجر قليلا قليلا، يجامع التتابع على طريق التدريج، وكل ذلك محسوس"2. وقد فاته أن ينبه هنا على ظاهرة التشخيص، وسمتها في القرآن واضحة كل

الوضوح, فالحياة تخلع في هذه الآية على الصبح، حتى لقد صار كائنا حيا يتنفس, بل إنسانا ذا عواطف وخلجات نفسية تشرق الحياة بإشراقة من ثغره المنفرج عن ابتسامة وديعة وهو يتنفس بهدوء، وإذا تلا قوله تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} 3 لم ير في ذلك إلا ضربا من استعارة محسوس لمعقول بوجه عقلي "فالقذف والدمغ مستعاران وهما محسوسان، والحق والباطل مستعار لهما وهما معقولان"4: فما في التعبير بالقذف من إيحاء، وبالدفع من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015