فإذا ما ذكرنا أنا لأداة التي تصور المعنى الذهني والحالة النفسية، وتشخص النموذج الإنساني أو الحادث المرئي، إنما هي ألفاظ جامدة، لا ألوان تصور, ولا شخوص تعبر، أدركنا موضع الإعجاز في تعبير القرآن"1.

وفي الفصول التي تلي هذا الفصل من كتابه "التصوير الفني في القرآن" أنشأ سيد قطب يذكر الدليل إثر الدليل على صحة نظرته، وسلامة فكرته، فعقد فصلا للتخييل الحسي والتجسيم، وفصلا للتناسق الفني، وثالثا للقصة في القرآن، ثم عرض بعض النماذج الإنسانية التي تنطق بها الآيات مؤكدا في نهاية المطاف أن الجدل القرآني قائم على ضرب من المنطق الوجداني الذي تشترك فيه "الألفاظ المعبرة، والتعبيرات المصورة، والصور الشاخصة، والمشاهد الناطقة، والقصص الكثيرة"2.

ولعل الغاية التي انتهى إليها سيد قطب من فهم الأسلوب القرآني أن تكون أصدق ترجمة لمفهومنا الحديث لإعجاز القرآن، لأنها تساعد جيلنا الجديد على استرواح الجمال الفني الخالص في كتاب الله، وتمكن الدارسين من استخلاص ذلك بأنفسهم، والاستمتاع به بوجدانهم وشعورهم. ولا ريب أن العرب المعاصرين للقرآن قد سحروا قبل كل شيء بأسلوبه الذي حاولوا أن يعارضوه فما استطاعوا، حتى إذا فهموه أدركوا جماله ومس قلوبهم بتأثيره، لذلك سنقتصر في بحثنا هذا على الجانب الفني الخالص الذي نجده عنصرا مستقلا بنفسه كافيا لإثبات فكرة الإعجاز وخلود القرآن بأسلوبه الذي يعلو ولا يعلى. أما ما يتساوق مع هذا العنصر الجمالي الفني من الأغراض الدينية والعلمية التي توسع فيها السيد رشيد رضا، كاشتمال القرآن على العلوم الدينية والتشريعية، وتحقيقه مسائل كانت مجهولة للبشر، وعجز الزمان عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015