فيه مستعملا فيما وضع له، ويظل متناولا جميع الأزمان، إلا أن حكمة الشامل يستمر إلى وقت معين ثم لا يبطله إلا الناسخ لحكمة يعلمها الله1.

وتراعى في التخصيص قرينة سابقة أو لاحقة أو مقارنة، أما النسخ فلا يقع إلا بدليل متراخ عن المنسوخ, ويكون التخصيص في الأخبار وغيرها، أم النسخ فلا يقع في الأخبار2. ومن أدلة التخصيص الحس والعقل إلى جانب الكتاب والسنة، كقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} 3 خصصه قوله صلى الله عليه وسلم: "لا قطع إلا في ربع دينار"، أما النسخ فالدليل فيه شرعي مقصور على الكتاب والسنة، فلا يرفع -باسم النسخ- حكم شرعي بدليل عقلي مثلا4. وثمرة هذه الفروق بين التخصيص والنسخ أن ما بقي من أفراد العام بعد تخصيصه يظل معمولا به، فلا يبطل الاحتجاج بالعام بعد التخصيص، أما ما رفع حكمه من أفراد النص المنسوخ فيبطل كل لون من ألوان الاحتجاج به أو العمل به5.

وإذا كان أبو مسلم الأصفهاني وأضرابه، قد خلطوا النسخ بالتخصيص وأساءوا الأدب مع الله في إيثارهم لفظ التخصيص الذي اخترعوه على لفظ النسخ الذي صرح به القرآن، فإن القائلين بالنسخ قد بالغوا فيه، وسلكوا كثيرا من العموم المخصص في عداد المنسوخ, وأساءوا الأدب مع الله أيضا بفتحهم الباب على مصراعيه أمام الخالطين بين النسخ والبداء، وبين النسخ والإنساء، وبين نسخ الأحكام ونسخ الأخبار.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015