شوما نحسب القرآن مستخدما هذا اللفظ في كل موضع ذكره فيه إلا على معناه الأصلي الحقيقي الذي ما كان يطوف في خلد أحد سواه لولا الرغبة في الجدل، والاحتفال بالخلاف اللفظي والترف العقلي في جميع العصور. لذلك كان تعريف النسخ بقوله: "رقع الحكم الشرعي بدليل شرعي" أدق تحديد اصطلاحي لهذه الفظة، يتناسق في آن واحد مع لسان العرب الذي يرى النسخ إزالة ورفعا، ونصوص الشرع التي لا مدافعة في رفع بعض أحكامها بأدلة قوية صريحة في وقائع معروفة محفوظة، لأسرار وحكم لا يعرفها إلا الراسخون في العلم.
واختلاف العلماء في تعريف النسخ ينبئ كذلك عن ضروب أخرى من الاختلاف في هذا الموضوع الخطير: فقد حصر بعضهم النسخ في القرآن نفسه، فلا ضير في نسخ الكتاب بالكتاب لتضافر الأدلة العقلية والنقلية على جوازه. ومال الأكثرون إلى جواز نسخ السنة بالقرآن، كنسخ الصيام يوم عاشوراء، الثابت بالسنة, بما كتبه الله في القرآن من صوم رمضان1.
أما نسخ القرآن بالسنة فقد أنكره الشافعي, كما يوحي بذلك لفظ متبادر ذكره في "رسالته"2. ولكن الذين تكلموا على هذه المسألة لم يفهموا مراد الشافعي: فإنه رمى إلى تعظيم الكتاب والسنة وتعاضدهما وتوافقهما، فما يختلفان في شيء إلا مع أحدهما مثله ناسخا له3. وأما نسخ السنة بالسنة فأكثر العلماء لا يرى فيه بأسا، لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا يصدر فيما يشرعه لأمته ابتداء أو نسخا إلا عن إلهام من الله4، فهو في أمور الشرع {وَمَا يَنْطِقُ