بمجرد نزول الروح الأمين عليه ودنوه منه، كما يعلم مما ورد في نزول الوحي من الأحاديث الصحيحة، ولا يظهر فيه وجه تخصيص بعض السور بالتنبيه"1. ويرى السيد رشيد بعد ذلك "أن التنبيه إنما كان أولا وبالذات للمشركين في مكة ثم لأهل الكتاب في المدينة". ولم يكن يعلم بادئ الامر أن له سلفا في هذا التأويل، ثم وجده في القول الثاني عشر من التفسير الكبير للإمام الرازي الذي ينقل عن ابن روق2 وقطرب3، "أن الكفار لما قالوا: {لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} وتواصوا بالإعراض عنه أراد الله تعالى لما أحب من صلاحهم ونفعهم أن يورد عليهم ما لا يعرفونه ليكون سببا لإسكاتهم واستماعهم لما يرد عليهم من القرآن فأنزل الله عليهم هذه الحروف: فكانوا إذا سمعوها قالوا كالمتعجبين: اسمعوا إلى ما يجيء به محمد، فإذا أصغوا هجم عليهم القرآن، فكان ذلك سببا لاستماعهم وطريقا إلى انتفاعهم"4، وقد أشار إلى هذا المعنى إشارة عابرة الزركشي في البرهان5 والسيوطي في الإتقان6 وكل من ابن جرير7 وابن كثير8 في تفسيريهما.
ويبقى السيد رشيد رضا في نظرنا خير من أوضح الغرض من افتتاح بعض السور القرآنية بهذه الحروف المقطعة. ونحن لذلك نقول معه مستعيرين عباراته بنصها: "من حسن البيان وبلاغة التعبير، التي غايتها إفهام المراد مع الإقناع والتأثير، أن ينبه المتكلم المخاطب إلى مهمات كلامه والمقاصد الأولى بها،