على الفتية الذين فروا بدينهم منذ ثلاثة قرون فتلقوهم بالحفاوة والتكريم حين عرفوهم من زميلهم الذي جاء السوق يشتري الطعام، ثم يتوفى الله أصحاب الكهف حقا في أجلهم المحتوم، فيتنافس مواطنوهم في تكريمهم بعد موتهم وينتهون -بعد نزاع طويل- إلى بناء معبد فوق أضرحتهم، تخليدا لذكراهم المجيدة، ورقدتهم العجيبة1.

وهذه القصة القرآنية -على إيغالها في الغرابة- ليست أعجب ما في الكون من آيات وأحداث، وقد صور القرآن لوحاتها الثلاث -بكل غرائبها- ضمن هذا الإطار الذي يستصغر أحداثها كلها ما دامت يد القدرة الإلهية صالحة للتعلق بها وتدبيرها. وتأكيدا لهذه الفكرة، مهد القرآن لوقائع هذه القصة بقوله الصريح: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ 2 كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} وجواب هذا الاستفهام ينطق بأن أصحاب الكهف لم يكونوا أعجب آيات الله3: فإنهم فتية آمنوا بربهم، واعتزوا بإيمانهم، ودعوا قومهم بقوة إلى التوحيد، واستنكروا عبادتهم الآلهة من دون الله، فما ضاق الكفر بهم ذرعا هيأ الله لهم من رحمته كنفا، وآواهم إلى الكهف, وأنسأ فيه آجالهم، وأطال فيه رقادهم، وجعل في طول رقدتهم -على غير ما ألفه الناس- آية من آياته وإن لم تكن أعظم الآيات!

والقرآن حريص -من خلال هذه الأقصوصة- على تصحيح عقائد المؤمنين في شئون الغيب: فهو يومئ إلى خوض الناس فيها وتضخيمهم أحداثها جيلا فجيلا، ورجمهم بالغيب في تعيين عدد أبطالها، ويوجه المؤمنين إلى ترك المراء فيما لا يعنيهم، وينهاهم عن استفتاء أهل الكتاب وغيرهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015