الأيقاظ ولكنهم لا يقعدون ولا يفتحون أعينهم ولا يغادرون مكانهم فيثيرون برقادهم المتقلب ذعرا شديدا في قلوب المارين بهم المطلعين عليهم. وتزداد هذه اللوحة حياة وحركة بصورة كلبهم باسطا ذراعيه بالفناء كأنه يقوم على حراستهم, وبصورة الشمس متجافية عنهم، متباعدة عن كهفهم، كأنها لا تريد لشعاعها أن ينفذ إليهم، فهي تميل عن كهفهم يمنة إذا طلعت وتجاوزهم يسرة إذا غربت، فما أعجبها آية من آيات الله1.
واللوحة الثانية -بطبيعتها- حافلة بالحركة والحياة: فقد استيقظ الرقود، ودب فيهم النشاط من جديد، وفركوا العيون، ونظر بعضهم إلى بعض في استغراب شديد، إذا شعروا أنهم يصحون من رقدة طويلة ولكنهم لم يعرفوا كم لبثوا في كهفهم نائمين، فتساءلوا عن مدة لبثهم وتناجوا فيما بينهم، وظنوا أن نومهم -مهما يك قط طال- لم يزد على يوم أو بعض يوم، ثم ردوا الأمر إلى ربهم، فإنهم فتية مؤمنون يفوضون كل أمرهم إلى الله.
وفي اللوحة الثالثة -وهي خاطفة سريعة- يغادر أحد الفتية الكهف، ويذهب بما بقي معهم من نقودهم الفضية ليشتري لهم طعاما طيبا يسدون به إحساسهم بالجوع بعد رقادهم العجيب، فينصحونه -قبيل الخروج- بالحذر من مشركي تلك المدينة، لئلا يعرفوا مخبأهم فيقتلوهم رجما أو يردوهم عن عبادة الواحد القهار2.
ومن خاتمة هذه الأقصوصة، ثم من أسلوب التعقيب على خاتمتها، نستنتج أن أهل تلك المدينة كانوا قد آمنوا بعد شرك أسلافهم، وأن الله أعثرهم