عرفت البشرية ألوانا صافية منه لدى الشعراء الملهمين والمتصوفين العارفين: وألوانا عكرة كدرة لدى الكهان والعرافين، وأكثرهم من الدجاجلة الكذابين1.

نرى لزاما علينا -خشية أن نقع في اللبس من أثر استعمال الكلمات في غير مواضعها- أن نقصي عن ظاهرة الوحي لفظ الكشف الذي كنا فيه، وما يشبهه من ألفاظ الإلهام والحدس الباطني والشعور الداخلي أو "اللاشعور" التي يتغنى بها شبابنا المثقفون محاكاة للأعاجم والمستعجمين، ويحاولون بها أو ببعضها أن يفسروا بسذاجة عجيبة ظاهرة الوحي عند النبيين وعند محمد خاتم النبيين.

ما أيسر أن نثبت مدلول الكشف لكل من يدعيه، ثم ننكر عليه مدلول الوحي ولو ظل يدعيه.

إنه يخلو من الدلالة النفسية الواضحة المحددة؛ لأنه غالبا ما يكون ثمرة من ثمار الكد والجهد أو أثرا من آثار الرياضة الروحية أو نتيجة للتفكير الطويل، فلا ينشئ في النفس يقينا كاملا ولا شبه كامل، بل يظل أمرا شخصيا ذاتيا لا يتلقى الحقيقة من مصدر أعلى وأسمى.

إن كشف العارفين كإلهام الواصلين وجدان تعرفه النفس معرفة دون اليقين1، وتنساق إليه من غير شعور بمصدره الحقيقي، فيدخل فيه ذوق المتذوقين ووجد المتواجدين، بل تدخل فيه أيضا أسطورة آلهة الشعر عند اليونان وأسطورة شياطين الشعر عند العرب الجاهليين!.

ولا غرو, فإن الكشف كالإلهام من ألفاظ علم النفس المحدثة التي ما تبرح حتى عند القائلين بها موغلة في الإبهام، لاحتلالها "حاشية اللاشعور"2، وهي حاشية -كما يوحي اسمها- أبعد ما تكون عن حالات الحس والشعور:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015