وحقيقة ملك الوحي وأسلوب نزوله، وتهكم بعباد الأوثان وسخرية بأصنامهم وتصحيح لعقائد العرب في الملائكة, وإيماءة إلى حكمة الله من خلق الكون, والتفاتة إلى اتفاق الرسالات جميعا على أصول العقائد, وقواعد المسئولية والجزاء، وإنذار للعابثين الضاحكين بقرب مصرعهم كما لقي مصرعه من قبل كل جبار عنيد.
أقسم الله بالنجم حين يهوي عبد تلألئه, ويتدلى بعد أن كان في كبد السماء قصيا، على أن محمدا مبلغ عن ربه، مهتد لم يضل, رشيد لم يعرف طريق الغواية, بل صاحبه قومه المخاطبون بهذا الوحي عمرا من قبله فما عرفوا عليه من سوء ولا جربوا عليه كذبا، فالوحي الذي ينزل عليه لا مراء فيه، والملك الذي يحمله إليه شديد القوى عظيم الخلق، يسد الأفق بمنظره المهيب1، وقد تيسر لهذا النبي الأمي أن يلتقي به، ويراه على صورته الحقيقية مرتين: إحداهما في بدء الوحي حين التصق به وقرأ عليه القرآن, وكانت رؤية يقينية قريبة استوثق منها القلب والبصر، والأخرى ليلة الإسراء والمعراج حين رحل معه رحلة واقعية رأى خلالها آيات ربه الكبرى وبلغ سدرة المنتهى2 التي ينتهي إليها المطاف، وينتهي إليها علم الأولين والآخرين، فإذا هي أقرب درجة إلى الفردوس جنة المتقين التي تأوي إليها أرواح الصديقين والملائكة