المشهور: "المكي ما نزل قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وإن كان نزوله بغير مكة، والمدني ما نزل بعد هذه الهجرة وإن كان نزوله بمكة"، عني بالترتيب الزمني في مراحل الدعوة الإسلامية. ونحن إذا نأخذ بهذا التعريف الأخير لا نكتم القارئ ما نلمحه من تحقق عناصر الزمان والمكان والأشخاص في الاصطلاحات الثلاثة على السواء1، بل نلمح فيها أيضا عنصرًا رابعًا لا يخفى على ذي بصر: وهو عنصر الموضوع.
هذه سورة الممتحنة من مطلعها إلى ختامها2 نزلت بالمدينة إذا لاحظنا المكان، وكان نزولها بعد الهجرة إذا اعتبرنا الزمان، ووقعت خطابا لأهل مكة إذا أردنا الأشخاص، واشتملت على توجيه اجتماعي محص قلوب المؤمنين إذا رغبنا بمعرفة موضوعها، لذلك أدرجها العلماء في باب "ما نزل بالمدينة وحكمه مكي"3.
وذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} 4 نزل بمكة إذا التمسنا المكان، ويوم الفتح بعد الهجرة إن تحرينا الزمان، والغاية منه الدعوة إلى التعارف وتذكير الإنسانية بوحدة أصلها إن عينا الموضوع، وهو -إن راعينا الأشخاص- خطاب لأهل مكة والمدينة على السواء، فما سماه العلماء مكيا على الإطلاق، ولا مدنيا على التعيين, بل أدرجوه في باب "ما نزل بمكة وحكمه مدني"5.
على أننا لم نتردد في تفضيل التقسيم الزمني للمكي والمدني؛ لأننا نواجه موضوعا وثيق الصلة بالتاريخ, فليس لنا أن نختار في مثله التبويب المكاني