النبي صلى الله عليه وسلم، "لأستغفرن لك ما لم أنه عنك"، فنزلت: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى ... } إلى قوله: {إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} 1. وهذه الآية من سورة التوبة نزلت في المدينة آخر الأمر بالاتفاق, مع أن وفاة أبي طالب كانت في مكة2, ومن ذلك سورة الإخلاص, فقد ورد أنها جواب للمشركين بمكة، وجواب لأهل الكتاب بالمدينة3. ولا مانع من تعدد النزول. قال الزركشي في "البرهان": "وقد ينزل الشيء مرتين تعظيما لشأنه، وتذكيرا عند حدوث سبب خوف نسيانه، كما قيل في الفاتحة نزلت مرتين: مرة بمكة، وأخرى بالمدينة"4.
وإن كانت الروايتان صحيحتين، ويمكننا ترجيح إحداهما لأنها أصح من الأخرى, أو لأن راويها شهد الحادثة دون راوي الأخرى, فلا ريب أن سبب النزول يؤخذ من الراجحة الأصح.
مثال ذلك: ما أخرجه البخاري عن ابن مسعود قال: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وهو يتوكأ على عسيب فمر بنفر من اليهود, فقال بعضهم: لو سألتموه. فقالوا: حدثنا عن الروح. فقام ساعة ورفع رأسه فعرفت أنه يوحى إليه، حتى صعد الوحي، ثم قال: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} 5. وما أخرجه الترمذي وصححه عن ابن عباس قال: "قالت قريش لليهود: أعطونا شيئا نسأل هذا الرجل.