وهو أولى بالاعتبار، ولا مانع من تعدد الأسباب"، على حد تعبير ابن حجر1.
وإن كانت الروايتان صحيحتين، ولم نستطع ترجيح إحداهما ولا الجمع بينهما لتباعد الزمن بين أحداثهما، حملنا الأمر على تعدد نزول الآية.
مثال ذلك: ما أخرجه البيهقي والبزار عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة حين استشهد وقد مثل به فقال: "لأمثلن بسبعين منهم مكانك" فنزل جبريل -والنبي صلى الله عليه وسلم واقف- بخواتم سورة النحل: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} إلى آخر السورة، وهن ثلاث آيات2.
وأخرج الترمذي والحاكم عن أبي بن كعب قال: "لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون، ومن المهاجرين ستة، منهم حمزة، فمثلوا به، فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يوما مثل هذا لنربين عليهم، فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} الآية3.
لا يمكننا هنا الجمع بين الروايتين، لتباعد الزمن بين الحادثتين, فإحداهما متعلقة بغزوة أحد، والأخرى بفتح مكة، وبينهما بضع سنين, فلا بد لنا من القول بتعدد نزول الآيات، أول الأمر في غزوة أحد، وبعد ذلك عقب فتح مكة. ومن ذلك ما يرويه البخاري -واللفظ له- عن المسيب "لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أي عم قل: لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله"، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فقال