بيان سبب النزول في جميع الأحوال، بل فيها النص الواضح, وفيها ما يحتمل السبب وسواه، فإذا صرح الراوي بلفظ السبب فقال: "سبب نزول هذه الآية كذا"، أو أتى بفاء تعقيبية داخلة على مادة نزول الآية بعد سرده حادثة ما أو ذكره سؤالا طرح على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "حدث كذا أو سئل عليه الصلاة والسلام عن كذا فنزلت آية كذا" فذلك نص واضح في السببية. وأما إذا اكتفى بقوله "نزلت هذه الآية في كذا" فإن العبارة تحتمل مع السببية شيئا آخر هو ما تضمنته الآية من الأحكام، قال الزركشي في "البرهان": "قد عرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال: "نزلت هذه الآية في كذا" فإنه يريد بذلك أن هذه الآية تتضمن هذا الحكم لا أن هذا كان السبب في نزوله. وجماعة من المحدثين يجعلون هذا من المرفوع المسند كما في قول ابن عمر في قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} . وأما الإمام أحمد فلم يدخله في المسند، وكذلك مسلم وغيره، وجعلوا هذا مما يقال بالاستدلال والتأويل, فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآية لا من جنس النقل لما وقع"1, ولذلك لو قال راو: نزلت هذه الآية في كذا وقال آخر: نزلت في غير ذلك، فإن كان اللفظ يحتمل كلا القولين حمل عليهما، ولا تناقض في ذلك، وإلا تعين ما يدل عليه اللفظ ويساعد السياق على فهمه. وأما إذا قال أحد الراويين: "نزلت الآية في كذا" بهذا النص الصريح، فإن المعول عليه ما كان نصا، فهو أولى بالتقديم مما كان محتملا.
وقد تتعدد الروايات في سبب نازل واحد من القرآن، وتؤدي تلك الروايات بألفاظ صريحة في إفادة السببية، فللعلماء في مثل هذه الحال مقياس دقيق يرجحون به إحدى تلك الروايات أو يوفقون بينها توفيقا سائغا مقبولا.
فإن جاءت روايتان كلتاهما صحيحة, ولم نستطع ترجيح إحداهما جمعنا بينهما وحملنا الأمر على وقوع سببين نزلت الآية بعدهما معا. مثال ذلك ما