ما يبرح خطابا لهم ولأمثالهم, يستنكر كل حادثة تنتهك فيها حرمات المعابد سواء أوقعت في عهدهم أم في عهد أسلافهم، وسواء أصدرت عنهم أم عن غيرهم، وسواء أوقعت حقا أو سوف تقع أم يمكن أن تقع، فخطابهم بالآية لا يرمي إلى تعيين الأشخاص أو الأمكنة أو الأزمنة، وإنما يتناول وعيدا شديدا لكل من تحدثه نفسه بتخريب المعابد في أي زمان أو مكان!
وإيثار مثل هذا التأويل ينقذ المفسر من الخبط الأعمى في أسباب النزول، ويفرد في القرآن سورا وآيات نزلت ابتداء غير مبنية على سبب، وكان المنطق نفسه يقضي بأن تتنزل هكذا ابتداء من غير أسباب، أو كان المنطق يقضي بأن يكون لها سبب عام لا ينبغي أن يعد سببا حقيقيا: كقصة موسى التي تكررت في مواطن مختلفة من القرآن بصور شتى، فإنها نزلت ابتداء غير مبنية على أسباب، ومن أبي إلا أن يلتمس لها أسبابا ردها جميعا إلى سبب واحد عام هو تسلية النبي وتثبيت فؤاده في غمرة الشدائد التي كان يلقاها من قومه الجفاة العتاة، لكن الآيات التي صورت قصة موسى -وقد نزلت في غير زمن صاحبها- يقال: إنها نزلت لتسلية محمد لنزولها في زمانه، ولا يقال: إنها نزلت في موسى وقومه, لأنها تنزلت بعد إسدال الستار على تلك القصة بقرون وأجيال!.
فلا معنى للاعتراض إذن بمثل قصة يوسف التي ورد فيها أن الصحابة قالوا: يا رسول الله, لو قصصت علينا، فأنزل الله تعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} ، إلى قوله: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} الآية1، لأن سبب نزول السورة كلها لا آياتها الأولى وحسب أمر صريح يتعلق بالصحابة السائلين أنفسهم، فقد كانوا متعطشين حقا إلى قصص قرآني يكون لهم فيه موعظة وعبرة، وقد رغبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رغبة لا لبس فيها في الاستماع