ومجانبتها"1، كأنه يدعو خلالها إلى إشعال الحرب وتأريث نارها حتى لا يقيم أحد من الفرسان على الخسف2 والهوان.

ولئن كانت معرفة جو القصيدة والظروف التي نظمت خلالها تعين على الفهم السديد، وتسعف بالذوق السليم، وتواكب الشرح الأدبي جنبا إلى جنب، لتكونن معرفة قصة الآية والأسباب التي اقتضت نزولها أعون على دقة الفهم، وأدنى إلى استلهام أرجح التأويل وأصح التفسير.

ذلك بأننا من القرآن -إذا أردنا تدبره حقا- تلقاء شيء أسمى من "علم التفسير": فما تحل أقوال المفسرين كل عقدة, وما تزيح كل شبهة, ولا تفصل كل إجمال.

ونحن من القرآن أيضا إزاء شيء فوق اللغة وقواعدها وآدابها، فإن ظلال التعبير في القرآن، وإيحاءات المفردات في آياته، وألوان التصاوير في قصصه ولوحاته، لترتبط أوثق الارتباط بالوقائع الحية، والأحداث النواطق، والمشاهد الشواخص، كأن أبطالها ما انفكوا على مسرح الحياة يغدون ويروحون، فأنى للشروح اللغوية الجامدة والاصطلاحات البلاغية الجافة أن تستطلع في الوقائع يقين أخبارها، أو تستبطن من الأحداث خفي أسرارها، وهي أعيا من أن ترجع في الآذان أصداءها الحلوة العذاب؟

ونحن من القرآن -آخر الأمر- أمام شيء فوق التاريخ نفسه، فإن وقفنا على سبب النزول التاريخي لم نكن قد تقصينا كل شيء، فما أكذب التاريخ وما أكذب المؤرخين على لسانه! وكأي في التاريخ من فجوات ينبغي أن تملأ وثغرات لا بد أن تسد أما أسباب النزول -من وجهة النظر الدينية- فليس لنا فيها إلا أن نستوحي الواقع لا صورته, والإنسان لا شبيهه، والحق لا صداه، فهل من عجب إذا حرم العلماء المحققون الإقدام على تفسير الكتاب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015