قراءة هذا الصحابي بها إنما كانت إدراجا على سبيل التفسير.
الخامس: الاختلاف بالتقديم والتأخير فيما يعرف وجه تقديمه أو تأخيره في لسان العرب العام، أو في نسق التعبير الخاص، كقوله تعالى في شأن المؤمنين الذين اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله: {فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُون} قرئ: "فَيُقْتَلُونَ وَيَقْتُلُون"1 ففي الحرف الأول يسرع المؤمنون إلى قتل الأعداء، وفي الحرف الثاني كأنما يتلهفون إلى ساحة المعركة تلهفا لعل الله يتخذهم شهداء، فإذا اختلفت صياغة التعبير بالتقديم والتأخير فإن مؤدى الحرفين ما انفك واحدا لم ينله شيء من التغيير. أما قراءة أبي بكر "وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْحَقِّ بِالْمَوْتِ" بدلا من قوله تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} 2 فقراءة آحادية لم تبلغ درجة التواتر، بل شاذة3 خالف بها إجماع الصحابة إن صح أنه قرأ به: ذلك بأن العرب تعرف للموت سكرة وسكرات، ولكنها لا تعرف الحق إلا يقظا صاحيا واعيا. وإنما يسهو الإنسان، أو يزل منه اللسان, فيضع كلمة مكان كلمة وهو لا يدري كما صنع أبو بكر أو كما رووا عنه ونسبوا إليه.
السادس: الاختلاف بشيء يسير من الزيادة والنقصان جريا على عادة العرب في حذف أدوات الجر والعطف تارة وإثباتها تارة أخرى. ولذلك لم تحفظ هذه الضروب من الزيادة والنقص إلا في أحرف قليلة محدودة مع التنبيه على شذوذ كل ما لم يحفظه الأئمة الثقات منها: فمن الزيادة قوله تعالى في سورة التوبة: {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ} قرئ: "مِنْ تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ"، وهما قراءتان متواترتان، وقد وافق كل منهم رسم مصحف الإمام4، فإن زيادتها وافقت رسم المصحف المكي, وحذفها وافق غيره5. ومن