قرئ "لأمانتهم" بالإفراد. ومن الواضح أنها رسمت في المصاحف العثمانية "لامنتهم" لخلوها من الألف الساكنة، ومؤدى الوجهين واحد، لأن في الإفراد قصدًا للجنس وفي الجنس معنى الكثرة, ولأن في الجمع استغراقًا للأفراد, وفي الاستغراق معنى الجنسية: فرعاية "الأمانة" كرعاية "الأمانات" تشمل الكل والجزئيات. ولأمر ما جاءت لفظة "العهد" في الآية نفسها مفردة على كلتا القراءتين، وبكلا الحرفين, فما قرئ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَتِهِمْ وَعَهُودِهِمْ رَاعُونَ} , ولا قرئ {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهُودِهِمْ رَاعُونَ} .
ومن ذلك أن "البقر" في قوله تعالى: {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا} ذكر في حرف قصدا للجنس, فبني فعله للماضي، وذكّر فقرئ: {تَشَابَهَ عَلَيْنَا} ، وأنث في حرف قصدًا للجماعة، فصيغ صياغة المضارع وأنث: {تَشَابَهَ} بعد حذف إحدى التائين تخفيفا، إذ أصله: "تتشابه"1.
الرابع: الاختلاف بإبدال كلمة بكلمة يغلب أن تكون إحداهما مرادفة للأخرى, وإنما تتفاوتان بجريان اللسان بإحداهما لدى قبيلة دون أخرى, كقوله تعالى: {كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوش} فقد قرئ: "كالصوف المنفوش"2، أو يكون بين الكلمتين المبدلتين تقارب في المخارج يسمح بالتناوب بينهما، ويكاد يشعر بتصاقبهما معنى لتصاقبهما لفظا، كقوله: {طَلْحٍ مَنْضُودٍ} 3 فقد قرئ: "طلع"، ويلاحظ أن مخرج العين والحاء واحد هو الحلق، فهما أختان تتعاقبان. وأما قراءة ابن مسعود "فاقطعوا أيمانهما"4 بدلا من {أَيْدِيَهُمَا} فشاذ, لأنها وردت من طريق آحادي. ومن المؤكد أن