الحديث بالمعنى، إذ "القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان، فالقرآن هو الوحي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للبيان والإعجاز، والقراءات هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في كتبة الحروف أو كيفيتها من تخفيف أو تثقيل أو غيرهما1. فإذا صح أنه عليه الصلاة والسلام وسع على المسلمين في أول الأمر، وراعى التخفيف على العجوز والشيخ الكبير2، وأذن لكل منهم أن يقرأ على حرفه, أي على طريقته في اللغة، لما يجده من المشقة في النطق بغير لغته، فليس معنى هذا أنه كان يأذن لهم بإثبات هذه القراءات وكتابتها على أنها حروف نزل عليها القرآن. وإذن، فما كانت توسعته عليه الصلاة والسلام في هذا النوع من القراءة إلا تخفيفا على بعض الأفراد في حالات خاصة، وأما ما أذن فيه من هذه الحالات بإثباته وأقر كتبة الوحي عليه فهو محفوظ بطريق التواتر في أحرف قليلة معدودة يرفض ما عداها ولو جاء من طريق صحيح آحادي, لأن التواتر شرط في إثبات القرآنية3. فتعميم هذه الحالات الفردية على جميع الأحرف السبعة, كأنها ضرب من القراءة بالمعنى، لا يمكن أن يقتصر عليه في فهم الحديث.
وإذا لم يصح الاقتصار على أحد تلك الآراء السابقة فقد بدا لنا أن استقصاء الممكن منها، وهو الذي لا يعارض النقل والعقل، ربما كان أصوب الآراء وأبعدها عن الإفراط والتفريط: فالمراد من هذه الأحرف السبعة -والله أعلم- الأوجه السبعة التي وسع بها على الأمة، فبأي وجه قرأ القارئ منها أصاب. ولقد كاد النبي صلى الله عليه وسلم يصرح بهذا كل التصريح حين قال: "أقرأني جبريل على حرف، فراجعته فلم أزل أستعيده حتى انتهى إلى