الحكمة في ذلك أن العرب الذين نزل القرآن بلغتهم، ألسنتهم مختلفة، ولهجاتهم متباينة، ويتعذر على الواحد منهم أن ينتقل من لهجته التي درج عليها، ومرن لسانه على التخاطب بها، فصارت هذه اللهجة طبيعة من طبائعه، وسجية من سجاياه، واختلطت بلحمه ودمه، بحيث لا يمكنه التغاضي عنها، ولا العدول إلى غيرها، ولو بطريق التعلم، وخصوصا الشيخ الكبير، والمرأة العجوز، والغلام والجارية، والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط.
عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: «لقي رسول الله لله جبريل فقال:
يا جبريل إني بعثت إلى أمة أميين فيهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط، قال يا محمد: إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف» (?).
فلو أن الله تعالى كلف العرب مخالفة لهجاتهم والعدول عنها لشق ذلك عليهم، ولكان ذلك من قبيل التكليف بما لا يدخل تحت الطاقة لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها [البقرة: 286].
فاقتضت رحمة الله بهذه الأمة أن يخفف عليها، وأن ييسر لها حفظ كتابها وتلاوة دستورها، كما يسر لها أمر دينها، وأن يحقق لها أمنية نبيها حين سأل جبريل زيادة الأحرف، لأنه يعلم أن أمته لا تطيق ذلك، فما زال النبي صلى الله عليه وسلم يلح في السؤال حتى أذن له أن يقرئ أمته القرآن على سبعة أحرف، فكان يقرئ كل قبيلة بما يوافق لغتها ويلائم لسانها (?).
«ولعل من الحكمة أيضا أن يكون ذلك معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم على صدق رسالته، حيث ينطق صلى الله عليه وسلم القرآن بهذه الأحرف السبعة، وتلك اللهجات المتعددة، وهو النبي الأمي الذي لا يعرف سوى لهجة قريش» (?).