ولو صح هذا لكان قول فرعون {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} 1 من كلام الله كما أن الكلام المخلوق في الشجرة على زعمهم كلام الله وهذا من باطل القول وزوره إذ الرسل عليهم الصلاة والسلام أخبروا الناس وأفهموهم أن الله نفسه هو الذي تكلم والكلام قائم به لا بغيره ولذلك عاب الله على من يعبد إلهاً لا يتكلم قال تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً} 2، ولا يحمد شيء بأنه متكلم ويذم بأنه غير متكلم إلا إذا كان الكلام قائمان به" أ. هـ3.
وأما استدلالهم ـ المعتزلة ـ بقوله تعالى {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} 4 على خلق القرآن فهو استدلال ظاهر الفساد فإن الفعل "جعل" إذا كان بمعنى "خلق" فإنه يتعدى إلى مفعول واحد كقوله ـ سبحانه ـ {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} 5 وإذا كان يتعدى إلى مفعولين لم يكن بمعنى خلق قال تعالى: {وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً} 6.
ومثل هذا قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} 7.
وللمعتزلة أدلة أخرى غير هذه الأدلة ولكن بحمد الله ـ تعالى ـ لقد بين علماء السلف عدم وجهة استدلالهم بها وأن تعلقهم بها لا يساعد على دعواهم في القول بخلق القرآن.
مذهب الكلابية:
لقد ذهب عبد الله بن سعيد بن كلاب وأتباعه إلى أن القرآن عبارة عن حكاية معنى قائم بنفسه لا يتعلق بقدرته ـ تعالى ـ ومشيئته وأنه لازم لذاته ـ جل وعلا ـ كلزوم الحياة