وقال أيضاَ: "ولا خلاف بين أهل العدل في أن القرآن مخلوق محدث مفعول لم يكن، ثم كان وأنه غير الله ـ عز وجل ـ وأنه أحدثه بحسب مصالح العباد، وهو قادر على أمثاله وأنه يوصف بأنه مخبر به، وقائل، وآمر، وناه من حيث فعله وكلهم أنه ـ عز وجل ـ متكلم به" أ. هـ1.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية مبيناً وجه تقارب مذهب المعتزلة والجهمية ووجه افتراقهما: "فمذهبهم ـ أي المعتزلة ـ ومذهب الجهمية في المعنى سواء، لكن هؤلاء يقولون: هو متكلم حقيقة وأولئك ينفون أن يكون متكلما حقيقة، وحقيقة قول الطائفتين أنه غير متكلم، فإنه لا يعقل متكلم إلا من قام به الكلام ولا مريد إلا من قامت به الإرادة، ولكن معنى كونه ـ سبحانه ـ متكلماً عندهم، أنه خلق الكلام في غيره" أ. هـ2.
والقرآن والسنة يقرران بطلان مذهب المعتزلة من أساسه قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} 3.
ووجه الدلالة من الآية: أن الله ـ تعالى ـ خلق كل شيء بقوله "كن" ولو كانت "كن" مخلوقة لأدى ذلك إلى أن مخلوقاً خلق مخلوقاً آخر وهذا من القول المستحيل الذي لا يقول به أحد قط.
وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} 4.
وجه الدلالة من هذه الآية: أن الله فرَّق بين خلقه وأمره فالمراد بالخلق في الآية هو المخلوقات، والمراد بالأمر في الآية القرآن فالآية دلت على إبطال قول المعتزلة بأن القرآن مخلوق إذ الأمر ما يكون به الخلق.