وقال ابن كثير1: حول الآية: {وَهُوَ اللهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} اختلف مفسرو هذه الآية على أقوال بعد اتفاقهم على إنكار قول الجهمية.. القائلين ـ تعالى ـ عن قولهم علواً كبيراً بأنه في كل مكان حيث حملوا الآية على ذلك فالأصح من الأقوال أنه المدعو الله في السموات وفي الأرض أي يعبده ويوحده ويقر له بالإلهية من في السموات ومن في الأرض ويسمونه الله، ويدعونه رغباً ورهباً إلا من كفر من الجن والإنس، وهذه الآية على هذا القول كقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} 2.
ومن الآيات التي احتج بها الجهمية على أن الله في كل مكان قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} 3.
ويقال لهم: إن معنى الآية ليس كما فهمتم منها بل معناها المراد منها أنه ـ تعالى ـ حاضر كل نجوى، ومع كل أحد من فوق عرشه بعلمه لأن علمه ـ سبحانه ـ محيط بجميع خلقه، وبصره نافذ فيهم لا يحجب علمه وبصره شيء ولا يستطيعون التواري منه بشيء وهو عالٍ على عرشه بائن من خلقه {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} 4 لأنه ـ سبحانه ـ لا يبعد عليه شيء ولا تخفى عليه خافية في السموات ولا في الأرض فهو ـ سبحانه ـ رابعهم وخامسهم وسادسهم بعلمه المحيط بكل شيء كما بينت الآية ذلك بفاتحتها وخاتمتها"5.
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "إذا أردت أن تعلم أن الجهمي كاذب على الله حين زعم أن الله في كل مكان، ولا يكون في مكان دون مكان فقل: أليس الله كان ولا شيء؟ فيقول: نعم فقل له: حين خلق الشيء خلقه في نفسه أو خارجاً من نفسه فإنه يصير إلى ثلاثة أقوال لا بد له من واحد منها":