الثالث: إن الله عالم لما هو عليه في ذاته وهو مذهب أبي هاشم من المعتزلة1.
وأما الفلاسفة: الذين يلقبون بالحكماء فقد أنكروا علمه تعالى بالجزئيات وزعموا أنه ـ تعالى ـ يعلم الأشياء على وجه كلي ثابت2 وحقيقة هذا القول أنه ـ تعالى ـ لا يعلم شيئاً إذ كل ما في الخارج هو جزئي والأحرى أنهم يلقبون بالجهلاء لا بالحكماء ومذهبهم ظاهر الفساد لبعده عن ما دلت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في أنه ـ تعالى ـ قد أحاط علمه بالكليات والجزئيات ولا يخفى عليه شيء.
قال السفاريني3 ـ رحمه الله تعالى ـ "يجب الجزم بأنه ـ تعالى ـ عالم بعلم واحد وجودي قديم باقٍ ذاتي تنكشف به المعلومات عند تعلقه بها، وإنما قلنا: بأن علمه ذاتي كسائر صفاته ـ تعالى ـ للرد على الحكماء القائلين بنفي الصفات وإثبات غاياتها والرد على المعتزلة القائلين بأنه يعلم بالذات لا بصفة زائدة عليها، والدليل على أن صفاته زائدة على ذاته ورود النصوص بأنه ـ تعالى ـ عال، وحي وقادر ونحوها، وكونه عالماً يعلل بقيام العلم به في الشاهد فكذلك في الغائب وقس عليه سائر الصفات"4 أ. هـ.
وأما الغلاة من القدرية: "فقد أنكروا علمه ـ تعالى ـ بأفعال خلقه حتى يعملوها"5. توهماً منهم أن علمه ـ تعالى ـ بأفعال خلقه يفضي إلى الجبر وقولهم هذا معلوم البطلان بالضرورة في جميع الأديان، قال العلامة ابن القيم في ذكره لمراتب القدر: "فأما المرتبة الأولى: وهي العلم السابق فقد اتفق عليه الرسل من أولهم إلى خاتمهم، واتفق عليه جميع الصحابة ومن تبعهم من الأمة وخالفهم مجوس الأمة" أ. هـ6.