فَتبين بذلك أَن تعْيين عين الْفِعْل وَعين الْمَكَان لَيْسَ مَأْمُورا بِهِ، فَإِذا نهي عَن الْكَوْن فِيهِ لم يكن هَذَا الْمنْهِي عَنهُ قد أَمر بِهِ، إِذْ الْمَأْمُور بِهِ مُطلق وَهَذَا الْمعِين لَيْسَ من لَوَازِم الْمَأْمُور بِهِ، وَإِنَّمَا يحصل بِهِ الِامْتِثَال كَمَا يحصل بِغَيْرِهِ.
فَإِن قيل: إِن لم يكن مَأْمُورا بِهِ فَلَا بُد أَن يُبَاح الِامْتِثَال بِهِ وَالْجمع بَين النَّهْي وَالْإِبَاحَة1 جمع بَين النقيضين.
قيل: وَلَا يجب أَن يُبَاح الِامْتِثَال بِهِ بل يَكْفِي ألاّ ينْهَى عَن الِامْتِثَال بِهِ فَمَا بِهِ يُؤدى الْوَاجِب لَا يفْتَقر إِلَى إِيجَاب وَلَا إِلَى إِبَاحَة بل يَكْفِي أَلا يكون مَنْهِيّا عَن الِامْتِثَال بِهِ، فَإِذا نَهَاهُ عَن الِامْتِثَال بِهِ امْتنع أَن يكون الْمَأْمُور بِهِ دَاخِلا فِيهِ من غير مَعْصِيّة.
فَهُنَا أَرْبَعَة أَقسَام:
1 - أَن يكون مَا يمتثل وَاجِبا كإيجاب صِيَام شهر رَمَضَان بالإمساك فِيهِ عَن الْوَاجِب.
2 - وَأَن يكون مُبَاحا كخصال الْكَفَّارَة فَإِنَّهُ قد أُبِيح لَهُ نوع كل مِنْهَا كَمَا لَو قَالَ أطْعم زيدا أَو عمرا.
3 - وألاّ يكون مَنْهِيّا عَنهُ كالصيام الْمُطلق وَالْعِتْق الْمُطلق، فالمعين لَيْسَ مَنْهِيّا عَنهُ وَلَا مُبَاحا بخطاب بِعَيْنِه إِذْ لَا يحْتَاج إِلَى ذَلِك.
4 - وَالرَّابِع أَن يكون مَنْهِيّا عَنهُ كالأضاحي المعيبة وإعتاق الْكَافِر.
فَإِذا صلّى فِي مَكَان مُبَاح كَانَ ممتثلاً لإتيانه بِالْوَاجِبِ بِمعين لَيْسَ مَنْهِيّا عَنهُ، وَإِذا صلى فِي الْمَغْصُوب فقد يُقَال: إِنَّمَا نهي عَن جنس الْكَوْن فِيهِ لَا عَن خُصُوص الصَّلَاة فِيهِ فقد أدّى الْوَاجِب بِمَا لم ينْه عَن الِامْتِثَال بِهِ لَكِن نهي عَن