وَمِمَّا سبق يَتَقَرَّر أَنه “يَنْبَغِي أَن يعرف أَن الْإِرَادَة فِي كتاب الله على نَوْعَيْنِ:

أَحدهمَا: الْإِرَادَة الكونية، وَهِي الْإِرَادَة المستلزمة لوُقُوع المُرَاد الَّتِي يُقَال فِيهَا مَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن ...

وَأما النَّوْع الثَّانِي: فَهُوَ الْإِرَادَة الدِّينِيَّة الشَّرْعِيَّة وَهِي محبَّة المُرَاد وَرضَاهُ ومحبة أَهله وَالرِّضَا عَنْهُم وجزاءهم بِالْحُسْنَى ... فَهَذِهِ الْإِرَادَة لَا تسلتزم وُقُوع المُرَاد إِلَّا أَن يتَعَلَّق بِهِ النَّوْع الأول من الْإِرَادَة.

وَلِهَذَا كَانَت الْأَقْسَام أَرْبَعَة:

أَحدهَا: مَا تعلّقت بِهِ الإرادتان وَهُوَ مَا وَقع فِي الْوُجُود من الْأَعْمَال الصَّالِحَة فَإِن الله أَرَادَهُ إِرَادَة دين وَشرع فَأمر بِهِ وأحبه ورضيه وأراده إِرَادَة كَون فَوَقع وَلَوْلَا ذَلِك لما كَانَ.

وَالثَّانِي: مَا تعلّقت بِهِ الْإِرَادَة الدِّينِيَّة فَقَط، وَهُوَ مَا أَمر الله بِهِ من الْأَعْمَال الصَّالِحَة فعصى ذَلِك الْأَمر الْكفَّار والفجار، فَتلك كلهَا إِرَادَة دين وَهُوَ يُحِبهَا ويرضاها لَو وَقعت وَلَو لم تقع.

وَالثَّالِث: مَا تعلّقت بِهِ الْإِرَادَة الكونية فَقَط وَهُوَ مَا قدره وشاءه من الْحَوَادِث الَّتِي لم يَأْمر بهَا كالمعاصي فَإِنَّهُ لم يَأْمر بهَا وَلم يرضها وَلم يُحِبهَا إِذْ هُوَ لَا يَأْمر بالفحشاء1 وَلَا يرضى لعباد الْكفْر2، وَلَوْلَا مَشِيئَته وَقدرته وخلقه لَهَا لما كَانَت وَلما وجدت فَإِنَّهُ مَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن.

وَالرَّابِع: مَا لم تتَعَلَّق بِهِ هَذِه الْإِرَادَة وَلَا هَذِه فَهَذَا مَا لم يكن من أَنْوَاع الْمعاصِي”3

طور بواسطة نورين ميديا © 2015