وَكَانَ رَحمَه الله صبوراً على من يكلمهُ، عادلاً فِي مُخَاطبَة مخالفيه، مُتبعا السّنة فِي مُعَاملَة وُلَاة الْأُمُور يَقُول رَحمَه الله “النَّاس يعلمُونَ أَنِّي من أطول النَّاس روحاً وصبراً على مُرِّ الْكَلَام، وَأعظم النَّاس عدلا فِي المخاطبة لأَقل النَّاس، داعٍ لولاة الْأُمُور”1.
وَكَانَ شجاعاً من أَشْجَع النَّاس وَأَقْوَاهُمْ قلباً، مَا رأى النَّاس فِي عصره أحدا أثبت جأشاً مِنْهُ، وَلَا أعظم عناءً فِي جِهَاد الْعَدو وَكَانَ لَا يتْرك سَبِيلا من سبل الْجِهَاد إلاّ ولجه فَجَاهد بِقَلْبِه، وَلسَانه، وَيَده.
وَكَانَ رَحمَه الله شَدِيد التَّمَسُّك بِدِينِهِ، مقدما حُرِّيَّته وَنَفسه وَمَاله فِي سَبِيل ذَلِك وَكَانَ لَا يُبَالِي بِمَا يلاقيه فِي سَبِيل الله شجاعاً فِي الْحق، مطمئن الْقلب، واثقاً بوعد الرب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُول رَحمَه الله “أَنا عَليّ أَي شَيْء أَخَاف إِن قتلت كنت من أفضل الشُّهَدَاء وَكَانَ عَليّ الرَّحْمَة والرضوان إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَكَانَ على من قتلني اللَّعْنَة الدائمة فِي الدُّنْيَا وَالْعَذَاب فِي الْآخِرَة، ليعلم كل من يُؤمن بِاللَّه وَرَسُوله أَنِّي إِن قتلت لأجل دين الله، وَإِن حبست فالحبس فِي حَقي من أعظم نعم الله عَليّ، وَوَاللَّه مَا أُطِيق أَن أشكر نعْمَة الله عَليّ فِي هَذَا الْحَبْس، وَلَيْسَ لي مَا أَخَاف النَّاس عَلَيْهِ لَا أقطاعي، وَلَا مدرستي، وَلَا مَالِي، وَلَا رياستي، وجاهي”2.
وَكَانَ رَحمَه الله حَرِيصًا على وحدة الْمُسلمين، وتأليف قُلُوبهم، والتقريب بَينهم وَإِزَالَة الوحشة الَّتِي تقع فِي قُلُوب الْمُخْتَلِفين، باذلاً فِي ذَلِك غَايَة طاقته، ومستفرغاً تَمام جهده يَقُول رَحمَه الله: “وَالنَّاس يعلمُونَ أَنه كَانَ بَين الحنبلية والأشعرية وَحْشَة ومنافرة، وَأَنا كنت من أعظم النَّاس تأليفاً لقلوب الْمُسلمين، وطلباً لِاتِّفَاق كلمتهم، واتباعاً لما أمرنَا بِهِ من الِاعْتِصَام بِحَبل الله،