وكان الأمراء والأقيال والأغنياء ورجال البيوتات الشريفة وأفراد الطبقة الوسطى على آثار الملوك يحاولون أن يقلدوهم في لباسهم وطعامهم ومجالسهم وترفهم وكانوا يأخذون أنفسهم بعاداتهم ومناهج حياتهم، وارتفع مستوى الحياة ارتفاعاً عظيماً وتعقدت المدنية تعقداً عظيماً، وصار الواحد ينفق على نفسه وعلى جزء من لباسه ما يشبع قرية أو يكسو قبيلة، وكان لابد منه لكل شريف أو وجيه، حتى إذا أخل به وأغفله أشير إليه بالبنان وتفادته العيون، حتى صار ذلك واجباً من وجبات الحياة وشريعة من شرائع المجتمع التي لا يحل العدول عنها. عن الشعبي قال: كان أهل فارس يجعلون قلانسهم على قدر أحسابهم في عشائرهم، فمن تم شرفه فقيمة قلنسوته مائة ألف، وكان هرمز ممن تم شرفه فكانت قيمتها مائة ألف وكانت مفصصة بالجوهر (?) ، وتمام شرف أحدهم أن يكون من بيوتات السبعة ومن الأزادية كان مرزبان الحيرة أزمان كسرى، وكان قد بلغ نصف الشرف، وكانت قيمة قلنسوته خمسين ألفاً (?) وبيع ما على رستم بسبعين ألفاً وكانت قيمة قلنسوته مائة ألف (?) .
درج الناس على هذه المدنية المترفة وعاداتها الفاسدة ورضعوا بلبانها ونشأوا عليها حتى أصبحت لهم الطبيعة الثانية، وعز عليهم الفصال وشق عليهم أن يتنازلوا إلى الحياة الطبعية البسيطة حتى في ساعة عصيبة وفي فاقة واضطرار، ذكروا أن يزدجرد آخر ملوك فارس لما فر من المدائن أخذ معه ألف طاه وألف مغن وألف قيم للنمور وألف قيم للبزاة وآخرين وكان
يستقل هذا العدد (?) ، واستسقى الهرمزان ملك الأهواز أمام عمر فأتى به في قدح غليظ، فقال: لو مت عطشاً لم أستطع أن أشرب في مثل هذا. فأتي به في إناء يرضاه (?) .