((ولقد أكرهت مصر على انتحال النصرانية. ولكنها هبطت بذلك إلى حضيض الانحطاط الذي لم ينتشلها منه سوى الفتح العربي، وكان البؤس والشقاء مما كانت تعانيه مصر التي كانت مسرحاً للاختلافات الدينية الكثيرة في ذلك الزمن. وكان أهل مصر يقتتلون ويتلاعنون بفعل تلك الاختلافات، وكانت مصر التي أكلتها الانقسامات الدينية، وأنهكها استبداد الحكام تحقد أشد الحقد على سادتها الروم. وتنتظر ساعة تحريرها من براثن قياصرة القسطنطينية الظالمين (?)) .
ويقول الدكتور الفرد. ج. بتلر في كتابه (فتح العرب لمصر) :
((فالحق أن أمور الدين في القرن السابع كانت في مصر أكبر خطراً عند الناس من أمور السياسة، فلم تكن أمور الحكم هي التي قامت عليها الأحزاب، واختلف بعضها عن بعض فيها، بل كان كل الخلاف على أمور العقائد والديانات، ولم يكن نظر الناس إلى الدين أنه المعين يستمد منه الناس ما يعينهم على العمل الصالح، بل كان الدين في نظرهم هو الاعتقاد المجرد في أصول معينة.
((فكان اختلاف الناس ومناظراتهم العنيفة كلها على خيالات صورية من فروق دقيقة بين المعتقدات، وكانوا يخاطرون بحياتهم في سبيل أمور لا قيمة لها، وفي سبيل فروق في أصول الدين وفي فلسفة ما وراء الطبيعة يدق فهمها، ويشق لإدراكها (?)) .
هذا، وقد اتخذها الروم شاة حلوباً يريدون أن يستنزفوا مواردها، ويمتصوا دمها، يقول ألفرد:
((إن الروم كانوا يجبون من مصر جزية على النفوس وضرائب أخرى كثيرة العدد..مما لاشك فيه أن ضرائب الروم كانت فوق الطاقة، وكانت تجري بين الناس على غير عدل (?))