وهي نفاذ تلك الإرادة بالفعل، فأرجأ القول فيه، ومنع الناس أن يخوضوا في مناظراتها، وجعل ذلك رسالة رسمية، وبعث بها إلى جميع جهات العالم الشرقي، ولكن الرسالة لم تهدئ العاصفة في مصر ووقع اضطهاد فظيع على يد قيرس في مصر واستمر عشر سنين، وقع خلالها ما تقشعر منه الجلود، فرجال كانوا يعذبون ثم يقتلون إغراقاً، وتوقد المشاعل وتسلط نارها على الأشقياء حتى يسيل الدهن من الجانبين على الأرض، ويوضع السجين في كيس مملوء من الرمل ويرمى به في البحر، إلى غير ذلك من الفظائع.
الانحلال الاجتماعي والقلق الاقتصادي:
بلغ الانحلال الاجتماعي غايته في الدولة الرومية والشرقية، وعلى كثرة مصائب الرعية ازدادت الإتاوات، وتضاعفت الضرائب. حتى أصبح أهل البلاد يتذمرون من الحكومات. ويمقتونها مقتاً شديداً. ويفضلون عليها كل حكومة أجنبية، وكانت الإيجارات والمصادرات ضغثاً على إبّالة، وقد حدثت لذلك اضطرابات عظيمة وثورات. وقد هلك عام 532 في الاضطراب ثلاثون ألف شخص في العاصمة (?) . وعلى شدة الحاجة إلى الاقتصاد في الحياة أسرف الناس فيه، ووصلوا في التبذل إلى أحط الدركات. وأصبح الهم الوحيد اكتساب المال من أي وجه، ثم إنفاقه في التظرف والترف وإرضاء الشهوات.
ذابت أسس الفضيلة. وانهارت دعائم الأخلاق. حتى صار الناس يفضلون العزوبة على الحياة الزوجية ليقضوا مآربهم في حرية (?) . وكان العدل كما يقول (سيل) يباع ويساوم مثل السلع. وكانت الرشوة والخيانة تنالان من الأمة التشجيع (?) . يقول (جيبون) : ((وفي آخر القرن السادس وصلت الدولة في ترديها