الأكثر إنما هي صلة التابع بالمتبوع الذي سبقه بمعرفة الحق والإيمان بالدعوة والتفاني في سبيلها، فلا محل للثورة، ولا محل للتذمر، ولا محل لنكران الجميل، إنما اللائق أن يعترفون لهم بالفضل، وتلهج ألسنتهم بالشكر والدعاء، وأن يقولوا: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} .
وهكذا كان، فقد ظلت هذه الأمم المفتوحة تعتبر العرب المنقذ من الجاهلية والوثنية، والداعي إلى دار السلام، والقائد إلى الجنة، والمعلم للحضارة، والأستاذ في الأدب.
هذه هي القيادة العالمية التي هيأتها البعثة المحمدية، وهي القيادة التي يجب أن يحرص عليها العرب أشد الحرص، ويعضوا عليها بالنواجذ، ويسعوا إليها بكل ما أوتوا من مواهب ويتواصى بها الآبار والأبناء، ولا يجوز لهم - في شريعة العقل والدين والغيرة - أن يتخلوا عنها في زمن من الأزمان، ففيها عوض عن كل قيادة مع زيادة، وليس في غيرها عوض عنها وكفاية، وهي القيادة التي تشمل جميع أنواع القيادة والسيارة، وهي تسيطر على القلوب والأرواح، أكثر من سيطرتها على الأجسام والأشباح.
إن الطريق إلى هذه القيادة ممهدة ميسورة للعرب، وهي الطريق التي جربوها في عهدهم الأول ((الإخلاص للدعوة الإسلامية واحتضانها وتنبيها والتفاني في سبيلها وتفضيل منهج الحياة الإسلامي على جميع مناهج الحياة)) .
وبذلك - من غير قصد وإرادة لنيل هذه القيادة وتبوئها - تخضع لهم الأمم الإسلامية في أنحاء العالم، وتتهالك على حبهم وإجلالهم وتقاليدهم، وبذلك تنفتح لهم أبواب جديدة
وميادين جديدة في مشارق الأرض ومغاربها، الميادين التي استعصت على غزاة الغرب ومستعمريه وثارة عليه، وتدخل أمم جديدة في الإسلام، أمم فتية في مواهبها وقواها وذخائرها، أمم تستطيع أن تعارض أوربا في مدنيتها وعلومها إذا وجدت إيماناً جديداً، وديناً جديداً، وروحاً جديداً، ورسالة جديدة.
إلى متى أيها العرب تصرفون قواكم الجبارة التي فتحتم بها العالم القديم في ميادين ضيقة محدودة؟ وإلى متى ينحصر هذا السيل العرم - الذي جرف بالأمس بالمدنيات والحكومات - في خدود هذا الوادي الضيق، تصطرع أمواجه ويلتهم