دعاية القوميين وإضرارهم بالشعوب الصغيرة:
ولا يزال القوميون في داخل البلاد وخارجها يزينون للشعوب الصغيرة القومية ويطرون أدبها ولسانها وثقافتها وتهذيبها، ويمجدون لها تاريخها حتى تصبح نشوانة بالعواطف القومية والخيلاء والكبرياء، وتدل بنفسها وتظن أنها مانعتها حصونها وما أعدت للحرب، وتنقطع عن العالم وتتحرش أحياناً بالدول الكبيرة غروراً بنفسها، أو تهجم عليها الدول فلا تلبث إلا عشية أو ضحاها، وتذهب ضحية لقوميتها وانحصارها في دائرة ضيقة، ولا يغني أولئك المسئولون عنها شيئاً {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ} كذلك وقع لبولندة وبلجيكا وهولاندة ويونان ودنمارك، وهكذا وقع لإيران والعراق في الحرب الثانية.
مطامح الدول الكبيرة:
أما الدولة الكبيرة فترى من واجب قوميتها أن تبسط سيطرتها على أكبر رقعة من الأرض وترفرف أعلامها على مساحات واسعة وإن كانت قفاراً أو صحارى وتكون لها مستعمرات وممتلكات في قارات مختلفة، وأن كان ذلك يكلفها جيوشاً وأموالاً بغير فائدة جدية تعود عليها ويصعب عليها حراستها والقيام بشئونها، كل ذلك مما توجبه عليها شريعة القومية، وليس لها غاية أخلاقية وتمرة أدبية غير ما تسميه ((المجد القومي والشرف القومي)) .
وقد شرح الأستاذ ((جود)) المجد القومي بقوله:
((إن المجد القومي إنما يعني أن يكون الشعب يملك قوة يسلط بها رغبته وهواه على آخرين إذا مست الحاجة، ويكفي لشناعة ما يسمونه (المثل الكامل للشعب) وهو المجد القومي إنه يناقض الصفات الخلقية والفضيلة إذا كانت بلاد لا تقول إلا صدقاً، وتفي بوعودها وتعامل الضعفاء معاملة إنسانية فمستوى شرفها عند الأمم منحط فالشرف - كما قال المستر بلدون -: عبارة عن قوة تنال الأمة بها المجد والفخار وتستلفت إليها الأنظار وتشغل الأفكار، ومعلوم أن هذه القوة التي تنال الأمة بها هذه الدرجة من الشرف إنما تتوقف على قنابل نارية متفجرة ومشعلة للنيرات، وعلى وفاء الشبان وولائهم للوطن، الذين يحبون
إلقاء تلك القنابل على المدن. فالشرف الذي يمدح لأجله شعب يناقض تلك الصفات والأخلاق التي يمدح بها الفرد، فأرى أن الشعب يجب أن يعد همجياً وغير مهذب بالمقدار الذي يملكه من